الاستبداد

بقلم : مسلم بن أحمد العوائد
الاستبداد مصطلح سياسي واجتماعي وفكري ونفسي، يقابله في الثقافة الغربية عموما “الديكتاتورية”، ويقابله في الإسلام “الظلم”. ونتائجها واحدة، وأهدافها واحدة، وشخوصها متشابهون في استغلال السلطة والصلاحيات، وفي مظاهر الضعف والقوة، والثقافة والفكر والنهاية.
تُذكّر أحداث التاريخ في مختلف العصور والأماكن أن نهاية الاستبداد كارثية، من حيث انهيار الأمم والحضارات والمؤسسات المختلفة وحتى الافراد، بعد تفشي الفقر والقهر والفساد وارتكاب الجرائم الخطيرة على مختلف المستويات.
هذا قبل…
أما بعد…
قد لا يعرف المستبد أنه مُصنَّف كذلك؛ فقد يكون أبًا أو أمًا أو ولدًا، وقد يكون موظفا مسؤولا عن تقديم خدمة معينة، وقد يكون مديرا او أعلى من ذلك. المستبد هو الذي ينظر إلى الناس من خلال فكره وعقيدته ومنطقته ومصلحته، ويعتقد أن قراراته صحيحة، وتصب في الصالح العام، ولا يقبل أي رأي آخر.
فمثلا: الذي يمنع الدروس وحِلَق القرآن مستبدّ، و يدخل في قوله تعالى:
﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَىٰ فِي خَرَابِهَا﴾.
ومع ذلك يفتخر بأنه أجاد في منع حِلَق كتاب الله، وقد لا يعرف ان ذلك حرمان من التوفيق وخذلان عظيم.
وكذلك الذي يتصدّر للوعظ والخطابة والفتوى بغير علمٍ شرعي، داخلٌ في قوله تعالى: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا﴾. ومع ذلك يرى نفسه عالما ومفتيا ومفكرا، يحمل وِزرَه ووِزرَ من تبعه، ولا شكّ أنّ الذي مكَّن له مستبدٌّ، لأنه صنع مستبدا جاهلا فاسدا وتابعا، بل ويتحمّل إثم المستبدّ ومن تبعه.
أخيرا…
المستبدّ يتمادى في غيّه أيًّا كان موقعه، وكأنه يمتلك السلطة المطلقة، لا سيما عندما تضعف الرقابة الذاتية والرسمية والاجتماعية. فالمسؤول الذي يُخالف الواجبات التي أقسم على أدائها يُعَدّ مستبدّا، والذي يُغلق الأبواب ويتخذ القرارات مع مجموعته الضيّقة دون الرجوع إلى المرجعيات القانونية والثقافية والاجتماعية وغيرها، يُصنَّف من المستبدّين، ويشعل الفتنة تلو الفتنة، وحينها كما يقول ابن تيمية رحمه الله : “إذا وقعت الفتنة عجز العقلاء فيها عن دفع السفهاء.”
ختاما…
يعتقد المستبد دائما أنه السلطة المطلقة في حاله ومستقبله، بعد ان يعمي الطغيان والجهل و نشوة السلطة عقله وفكره وبصره وبصيرته عن الحقيقة التاريخية؛ ان هذه السلطة المطلقة، تنتهي بذلٍّ مطلق. والشواهد حيّة، من فرعون إلى يومنا هذا، سواء كان موظفا كبيرا أو صغيرا، أو من أصحاب الأموال والسلطات والصلاحيات.
الحل: محاسبة المستبدّ أيًّا كانت مكانته الاجتماعية أو الرسمية، ثم استبداله بالكفاءات الوطنية الصادقة، من رجال الدولة الأوفياء الأمناء.
قال اللّٰه تعالى:
{فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا}
أي خلت حياتهم وديارهم من الحياة الكريمة ، فلم يبق لهم صديق ولا قريب ولا ذكر حسن في المجتمع، بل و يلفظهم كما يلفظ البحر زبده.



