المقالات

الأنانية بين حب الذات المدمر والانتقام من الأخرين

بقلم: د. ناصر الغداني
أخصـــائي نفسي

يعد مفهوم حب الذات من المفاهيم الجميلة في علم النفس التي يجب أن يعيها ويجعلها الإنسان من ضمن أولوياته في الحياة لضمان رفاهيته وسعادته ؛ وهو مفهوم شامل تشمل طريقته في التعامل مع نفسه ومع الآخرين ، وتضم الإحترام والتقدير والرضا والتقبل الدائم والمتبادل مع الآخرين ، وهي أيضا تشمل جميع مكونات الإنسان من مشاعر وأحاسيس وأفكار إيجابية لينعكس ذلك على صحته النفسية والجسدية.
وفي حالة إنتقال الانسان من التمركز حول الذات وحب الخير لنفسه وللآخرين ، إلى تركيز الفرد على مصالحة ورغباته الخاصة دون مراعاة للآخرين واحتياجاتهم وتجاوز حدودهم وعدم احترام مشاعرهم واستغلالهم حتى يحصل على ما يريد ، فإن ذلك ينتقل فيه الانسان مباشرة إلى الانانية المريضة النفسية التي تتميز بحبها وإهتمامها لذاتها ولكن بصورة مدمرة ، ويلجأ إلى أن يكون محط الأنظار دائماً ، كما يرغب بتلقي الاهتمام والانتباه دون أي أهتمام بمشاعر الآخرين وبالتالي يعجبه تلقي المديح والثناء وتسليط الأضواء على أفعاله التي قد لا يكون له أي دور مهم فيها ولكن بهدف لفت الأنظار وجذب الانتباه لاغير من هنا نجد بأنه يحاول على تصنًع السعادة لنفسه فقط دون التفكير في سعادة ورضا الآخرين ومدى تأثرهم بذلك ، فالانانية مرض نفسي يتميز بالانهاك الوسواسي للذات الغير سوية المرتبطة بأوهام العظمة في الشخصية والتعالي والكبرياء، لتصبح هذه الانانية بعد ذلك مرض نفسي مزمن.
فالانانية المرتبطة (بالانا) ، لا ترضا بالموجود فهي ترغب في المزيد ورغباتها غير واقعية وبعيده عن العقلانية ، ولا تقتنع بالامكانيات الذاتية الكبيرة لدى الاخرين فالتفكير الدائم بأنها الأفضل والأحسن وأنها فوق الجميع ، وأن آراه وأختياراته وأقواله وكل ما يقدمه به هو الصائب والصحيح ، وهو منطق غير واقعي وبعيداً عن العقلانية والحكمه والاتزان.
فالانانية دائماً مركزها العقل يتصور فيها الانسان بأنه الرجل الخارق الذي لايوجد مثله في شخصيته أو علمه أو عمله ، وهي من الصفات الشيطانية التي تورث في نفسية الانسان الغرور والانانية والفخر (قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ) وكلها أسلحة فتاكة بالنفس البشرية وتدمرها عن الابداع والانجاز والتميز. وهي في الحقيقة تظهر من خلال عقدة النقص لدى الانسان أو جراء إخفاقات نفسية وإجتماعية ، وهو قناع مزيف لإثبات الذات ، والشعور الغير واقعي بالتفوق على الآخرين الذي يكون مصحوباً بأمور ثانوية خارجة عن حقيقة الإنجازات نفسها التي تخدم المجتمع ( أنا فعلت كذا.. وأنا أشتريت كذا..، وأنا من العائلة كذا .. وأنا أبنائي كذا… وأنا من البلد أوالقبيلة كذا …) وهذه المعايير والتعابير والسلوكيات هي استخفاف ومزايدة على انجازات الآخرين الذين يكلون له هاجس الخوف من مكانته الاجتماعية والمادية والعلمية ، والخوف من احترام الناس لهم لتواضعهم وجميل أفعالهم وحسن خلقهم ونجاحاتهم المتعددة في الإدارة والقيادة.
لذلك يقول أحد العلماء عن الأنانية بأنها : تولد الحسد ، والحسد يولد البغضاء ، والبغضاء تولد الأختلاف ، والاختلاف يولد التفرقة ، والفرقة تولد الضعف ، والضعف يولد الذل ، والذل يولد زوال النعمه. وعليه تخلص سريعاً من أن تكون الأفضل ، وأن تكون على حق دائماً ، تخلص من الحسد والبغضاء جراء حساسيتك المفرطك بسبب ملاحظة أو كلمة أو موقف ، فإن إستسلمت لهذه الهواجس الفكرية فإنت تقبع في مستنقع البساطة من الفكرية المحدودة والمنغلقة، تخلص من هذه الآفة المحيقة بالنفس البشرية ومن عقدة السمعه والرغبة في إمتلاك الأكثر ولا تكون مهووساً بالالقاب والدرجات ، ولا تعًرف بنفسك على أساس إنجازاتك ، وتعلم أن تفرق بين ذاتك وانجازاتك وتذكر دائماً بثقة ويقيناً بأنك أكبر من إنجازاتك فأنت من صنع الله الذي أتقن كل شيء وخلقك في أحسن تقويم؛ وأسعى لطلب دائماً العلو الذي هو يمثل الحقيقة التي يسعى لها كل البشر،وأبعد نفسك عن التعالي والانانية الذي هو مجرد خيال تزدان به نفوس المريضة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى