المقالات

كيف نطور أسواقنا التقليدية

بقلم: احمد بن سليمان الكندي

لا أحد يستطيع انكار جهود الحكومة في تطوير أسواقنا التقليدية، فعلى مدى سنوات النهضة المباركة حققت الحكومة مشاريع تطوير جيدة لهذه الأسواق استطاعت من خلالها إبرازها بثوب حضاري جديد ومشرف. إلا أنه من الملاحظ أن التطوير الذي تم اقتصر على تطوير الشكل وتحديث البناء دون النظر في أهمية تطوير الخدمة التي تقدمها هذه الأسواق بما يلبي تطلعات المستهلكين، وبما يتيح لهذه الأسواق قدرتها على المنافسة، ويعزز من جاذبيتها للناس، وبما يخدم قدرتها على الاستمرار والبقاء.
إن هذه المشكلة تبدو واضحة في أغلب الأسواق التقليدية التي تم تطويرها، ونستطيع أن نضرب مثالا عليها بسوق ولاية نخل وسوق ولاية الرستاق، اللذان تم هدمهما بالكامل وإعادة بنائهما من جديد، لكن كلا السوقين للأسف لم يحققا تلك النقلة التجارية المنتظرة منهما على مستوى الولاية بعد مشروع التطوير.
وهنا يحق لنا ان نسأل، لماذا هذا الوضع؟ وما هي الحلقة الناقصة في مشاريع تطوير أسواقنا التقليدية حتى تصبح نشيطة ومفعمة بالحياة؟ فلا شك أننا نقدر للحكومة حرصها ونشيد بجهودها في هذا المجال، لكن طبعا كلنا نتفق أن التطوير العمراني ليس هو الهدف في حد ذاته، وإنما التطوير المنظور له هو أن تكون هذه الأسواق التقليدية هي بؤرة النشاط التجاري في الولاية، وأن تؤدي دورها المنتظر منها في تنشيط وإدارة الحركة التجارية، بالإضافة إلى خدمتها للجانب السياحي في الولاية من خلال ما تقدمه من تعريف بالمورث الحضاري العماني الخاص بالسلع العمانية التقليدية.
وفي الحقيقة أن أصول تطوير الجانب النوعي والتسويقي في أسواقنا التقليدية لا يختلف كثيرا عن أصول دراسة أي مشروع تجاري يعتزم القيام به، فمن المعلوم أنه عند التخطيط لتأسيس أي مشروع تجاري أو صناعي فإنه يجب الاهتمام بعدة عوامل تكون جوهرية جدا لضمان نجاح هذا المشروع، وإن من بين أهم هذه العوامل هو تلبية المشروع لحاجة المستهلك، وقدرته على الاستحواذ من الحصة السوقية بتوفير امتيازات مختلفة عن المنافسين، ووجود خطة تسويقية ذكية تضمن جاذبية السوق وتتمكن من الوصول إلى أكبر شريحة ممكنة من المستهلكين، بالإضافة إلى وجود خدمة ما بعد البيع والتي تعزز من ولاء العملاء للمشروع واستمرارهم في التعامل معه.
إن اسقاط هذه العوامل على أسواقنا التقليدية في وضعها الحالي يكشف لنا أن مشاريع تطويرها لم تلتفت إلى ضرورة تطوير الخدمة فيها وتقديمها بما يلبي حاجة المستهلكين، وبما يعزز من جاذبية الأسواق ويوفر الامتيازات لها عن المنافسين، كما أن غياب الإدارة المركزية لهذه الأسواق لم يمكن من وضع الخطط التسويقية اللازمة لازدهار السوق وضمان جاذبيته للعملاء، ولهذا كان من السهولة أن تتفوق المراكز التجارية الحديثة على أسواقنا التقليدية وتفوز بالحصة الأكبر من المتسوقين، وأن تكون المراكز التجارية الحديثة التي باتت موجودة في كل ولاية هي المحل الأول لاهتمام المستهلك، كما أنها المحل الأول ايضا لاهتمام التاجر وهو يخطط لافتتاح مشروعه التجاري.
إن اتجاهات المستهلكين اليوم تتجه في أغلبها إلى بيئة التسوق الفسيحة والتي توفر قدرا جيدا من المتعة والراحة، فتبريد المبنى أصبح لا غنى عنه، ووجود المطاعم المتنوعة والمقاهي الأنيقة وتوفير وسائل اللعب والترفيه أصبح مطلوبا، كما أن توفير جميع متطلبات المتسوق تحت سقف واحد أصبح مهما في المفاضلة بين المراكز والأسواق التجارية، فأين أسواقنا التقليدية من هذا؟ وما هو المانع من توفير هذا المناخ التسويقي المتكامل ليكون ضمن أسواقنا التقليدية لتحقيق الموائمة المطلوبة بين الأصالة والمعاصرة؟
لماذا لا يحتوي سوق ولاية نخل التقليدي على نموذج لعين الثوارة يلعب فيه الصغار؟ فيما يتضمن سوق ولاية الرستاق على نموذج لعين الكسفة، وسوق نزوى على نموذج لفلج دارس، . إن وجود مثل هذه المرافق الترفيهية في أسواقنا التقليدية سيكون لها دور فاعل في تحقيق القدرة على التنافس مع المراكز التجارية الأخرى، كما أن استضافة المناسبات والأنشطة المدرسية وكذلك إقامة الفعاليات الاجتماعية كالرقصات والألعاب الشعبية بين وقت وآخر سيكون له أثر جيد في تعزيز الشعور بانتماء المستهلك لهذه الأسواق.
لماذا لا يكون لأسواقنا التقليدية موقعا إلكترونيا لعرض منتجاتها فيه؟ مع تقديم خدمة توصيل مجانية للعملاء في داخل الولاية، ولماذا لا يكون لأسواقنا التقليدية إدارة مركزية تهتم بتنظيم المهرجانات والاحتفال بالمناسبات وإقامة الفعاليات؟ ثم تقوم هذه الإدارة بتنظيم حملات تسويق الكترونية، وتعلن بين وقت وآخر بوجود عروض خاصة وهدايا مجانية على بعض المنتجات، ولماذا لا تنسق هذه الإدارة مع الشركات السياحية لاستقبال الأفواج السياحية وإقامة الفعاليات المختلفة لهم؟ ولماذا لا تكون هذه الإدارة المركزية لأسواقنا التقليدية هي المعنية بالدرجة الأولى في دراسة القرارات المتعلقة بهذه الأسواق؟ وذلك لما يتوفر لديها من نظرة عامة ومتكاملة تستطيع بها التمييز بين ما يصب في مصلحة السوق وبين ما يضر به، ففي الآونة الأخيرة اختلفت الآراء حول تأثير فرض رسوم على مواقف السيارات في سوق نزوى والتخوف لا يزال موجودا من تأثر السوق بهذا القرار.
إن تصحيح مسار تطوير أسواقنا التقليدية يجب أن يكون تصحيحا متكاملا يكون هدفه الارتقاء بأسواقنا التقليدية شكلا ومضمونا، وأن يكون لهذا التطوير هدفه الأسمى من الوصول بهذه الأسواق لتكون تأصيلا للحضارة العمانية وامتدادا لنهضته ومستقبله الزاهر في الوقت الذي تستطيع فيه هذه الأسواق من مواكبة اتجاهات المستهلكين والوفاء بتطلعاتهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى