أخبار العالم

تحليل سياسي: لماذا يحتاج الشرق الأوسط إلى السلام من خلال القوة ؟

وهج الخليج – وكالات

يشهد الشرق الأوسط تحديات أمنية مستمرة، تجعل من القوة والقدرة على الردع شرطا أساسيا للحفاظ على الاستقرار وتحقيق السلام الدائم. هذا ما أكد عليه المحلل السياسي أحمد الشرعي ناشر مجلة جيروزاليم ستراتيجيك تربيون وعضو مجلس مديري المجلس الأطلسي ومعهد أبحاث السياسة الخارجية، في تقرير نشرته مجلة ناشونال إنتريست الأمريكية. ويرى الشرعي أن الضربات التي أمر بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ضد تنظيم “داعش” في سوريا تجسد العقيدة المطلوبة لتحقيق أمن واستقرار طويلي الأمد في المنطقة.
ويضيف أنه عندما يتحدث الرئيس دونالد ترامب عن “السلام عبر القوة”، فهو لا يعيد إحياء شعار قديم، بل يعيد ترسيخ مبدأ في فن إدارة الدولة كان يوما ما ركيزة للقوة الأمريكية، وأسهم تآكله في خلق البيئة المتساهلة التي ازدهر فيها الإرهاب وحروب الوكالة والتحدي الاستراتيجي. وقد أثبتت الولايات المتحدة الآن أن هذه العقيدة لم تعد مجرد خطاب بلاغي.
ففي أعقاب كمين وقع في ديسمبر قرب تدمر وأسفر عن مقتل جنديين أمريكيين ومترجم مدني، أطلقت واشنطن حملة جوية واسعة النطاق استهدفت مواقع لتنظيم “داعش” في وسط وشرق سوريا، شملت مراكز قيادة ومستودعات أسلحة وبنى تحتية لوجستية. وكانت الرسالة واضحة لا لبس فيها، وهي أن الاعتداء على الأفراد الأمريكيين له ثمن. وهذه الوقائع تؤسس لحد أدنى قصير الأمد من الردع. غير أن الأهمية الاستراتيجية للعملية تكمن في استعادة المصداقية.
وعلى مدى أكثر من عقد، تقيدت السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط بخوف مرضي من التصعيد. وعمليا، عنى ذلك امتصاص الاستفزازات وتأجيل إنفاذ الخطوط الحمراء، واعتبار ضبط النفس الخطابي استراتيجية بحد ذاته. والنتيجة لم تكن الاستقرار، بل التراكم الضار للميليشيات والصواريخ، وتعاظم ثقة الخصوم الإقليميين. ولم يفشل الردع لأنه مفهوم متقادم، بل لأنه طبق بشكل انتقائي ومتقلب.
ويقول الشرعي إن الضربات في سوريا تصحح هذا الخلل. وكما شدد وزير الدفاع الأمريكي بيت هيجسيث: “هذه ليست بداية حرب، بل إعلان انتقام. الولايات المتحدة الأمريكية، في ظل قيادة الرئيس ترامب، لن تتردد أبدا ولن تتراجع أبدا عن الدفاع عن شعبها. غير أن العقاب، وفق المنظور الواقعي، ليس مجرد ثأر، بل وسيلة لتشكيل توقعات الخصم. فالفاعلون يتذكرون ما ينفذ، لا ما يعلن.
ويضيف الشرعي أنه “لوقت طويل، كان الدرس الذي استخلصته التنظيمات الإرهابية هو أن صبر الولايات المتحدة بلا حدود. وقد جرى الآن تعديل هذا الدرس. فقد حطم كمين ديسمبر حالة التراخي تلك. وما زال تنظيم “داعش” قادرا على قتل أمريكيين. وأي استراتيجية تتسامح مع هذه الحقيقة من دون رد تغري بتكرارها”.
وتحافظ الولايات المتحدة على وجود نحو ألف جندي في شرق سوريا. ولا يبرر هذا الوجود إلا إذا كان مدعوما بقوة موثوقة، وإلا تحول الانتشار إلى مجرد ثغرة مكشوفة هشة تدعو إلى الاستفزاز. وغالبا ما يصور نهج ترامب على أنه بطبيعته عدواني. لكن السجل التاريخي يشير إلى عكس ذلك. فقد أظهرت ولايته أن القوة والدبلوماسية ليستا خصمين، بل مكملتين لبعضهما.
وبحسب الشرعي، فقد أعادت “اتفاقيات أبراهام” تشكيل الشرق الأوسط تحديدا لأنه جرى التفاوض عليها من موقع نفوذ أمريكي لا يشك فيه. ولم تنجح لأن الأيديولوجيا لانت، بل لأن الحوافز والقوة كانتا متناغمتين. وبالمثل، تعكس جهود ترامب للوساطة بهدف خفض التصعيد بين روسيا وأوكرانيا المنطق نفسه. فالمفاوضات المدعومة بالقوة الصلبة هي الضامن الأوثق للسلام. ومن ثم، ليس مفاجئا أن يكلَف جاريد كوشنر، بوصفه مفاوضا منضبطا وعمليا، بدور محوري في هذه الجهود.
غير أن كون المرء رجل سلام يعني إدراك متى تصبح الحرب أمرا لا مفر منه. فالتنظيمات الإرهابية لا تتفاوض بحسن نية، ولا تحترم وقف إطلاق النار، ولا تفسر ضبط النفس بوصفه فضيلة، بل تراه فرصة. ومع مثل هؤلاء الفاعلين، تعد القوة شرطا مسبقا للدبلوماسية. إن كل توقف يسوّق على أنه “خفض للتصعيد” يتحول إلى فرصة لإعادة التسلح. وكل تفاوض يجرى من دون نفوذ يتحول إلى غطاء لإعادة البناء. وقد أثبت العقد الماضي أن ضبط النفس غير المتبادل لا يهدئ الخصوم، بل يشجعهم.
ويقول الشرعي إن هذا الواقع يتجلى بوضوح في بنية الوكلاء المحيطة بإيران، “فلا يمكن لأي جهد جاد لتفكيك التنظيمات الإرهابية أن ينجح من دون سياسة واضحة تجاه النظام الإيراني، الذي يواصل إرهاب شعبه وتمويل وتسليح وتوجيه الميليشيات في أنحاء المنطقة. وقد صُمم هؤلاء الوكلاء لاستنزاف الخصوم، وزعزعة استقرار الجوار، واستنفاد الإرادة الغربية مع الحفاظ على هامش الإنكار”.
ويضيف أن هذا يتطلب أكثر من ضربات متقطعة، إنه يتطلب ضغطا مستداما ووضوحا عقائديا. ويشير إلى أن جماعة “الإخوان المسلمين وتفرعاتها الأيديولوجية توفران الوقود الفكري لهذه المنظومة، من خلال تشكيل سرديات تطبع العنف، وتقدس الاستشهاد، وتضفي التطرف على أجيال من الشباب المسلمين حول العالم”.
وقال الشرعي إن “إدارة ترامب اتخذت خطوة حاسمة بتسمية المشكلة بدل التلطيف اللفظي. لكن الاستراتيجية لا يمكن أن تنتهي مع رئاسة واحدة، فالاستمرارية أمر أساسي. والهدف هو تحرير المجتمعات، ولا سيما عقول الشباب، من عقيدة تسخر المظلومية وتمجد الموت. فالقوة العسكرية تضعف الشبكات، أما الوضوح الأيديولوجي فيفكك الحركات. والاكتفاء بأحدهما دون الآخر يضمن تكرار الظاهرة”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى