المقالات

الشكوى الإلكترونية: طريق مختصر لفهم رأي المواطن… أم طريق سهل للحفظ؟

بقلم: علي بن سالم المجيني
تربوي و خبير تخطيط

في هذا الزمن الرقمي، أصبح بإمكان المواطن أن يقدم شكواه وهو يشرب قهوته، دون أن يرفع هاتفه أو ينتظر موعد مسؤول ، منصة “تجاوب”، وبوابة Gov.om، وتطبيقات الوزارات، والبريد الإلكتروني، وحتى صناديق الشكاوى الورقية… كلها قنوات رسمية تتيح للمواطنين والمقيمين تقديم الشكاوى والمقترحات والبلاغات إلى الجهات الحكومية بطريقة منظمة وسهلة.

لكن رغم هذا التنوع، لا تزال الشكوى الإلكترونية تعاني من غياب الرد الفعلي، وضعف الشفافية في المتابعة، وغياب الإيمان بأن المواطن ليس خصمًا بل شريكًا في التطوير.

منصة “تجاوب” مثلًا، أُنشئت بهدف تعزيز الشفافية وتحسين الخدمات، وتتيح تقديم الشكاوى لجميع الجهات الحكومية. وبوابة Gov.om تربط المواطن مباشرة بالجهة المعنية، وتوفر خطوات واضحة لتقديم الشكوى.
وتطبيقات بعض الوزارات و البلديات تشمل خاصية تقديم الشكاوى، لكن استخدامها يظل محدودًا، خاصة في المحافظات البعيدة .أما البريد الإلكتروني والاتصال المباشر، فغالبًا ما يُستخدم في الحالات العاجلة، لكنه يفتقر إلى التوثيق والمتابعة المؤسسية.

المواطن يضغط “إرسال”، فيأتيه الرد الآلي: “شكواك قيد الدراسة”… ثم لا يُعرف من يدرس، ولا متى ينتهي الدرس.

رغم وجود المنصات، فإن الإحصاءات الرسمية حول عدد الشكاوى الإلكترونية المقدمة سنويًا، ونسبة الاستجابة لها، غير متاحة بشكل دوري أو شفاف.
المركز الوطني للإحصاء والمعلومات يوفر مؤشرات عامة حول استخدام التقنية، لكنه لا ينشر بيانات تفصيلية عن أداء منصات الشكاوى فعندما لا تتوفر معلومات واضحة حول عدد الشكاوى المقدمة أو كيفية التعامل معها، قد يشعر المواطن بالحيرة: هل تم تسجيل شكواه فعلاً؟ هل هناك من يتابعها؟ وهل الرد الآلي هو كل ما سيحصل عليه؟

الشكوى الإلكترونية ليست مجرد استمارة تُملأ، بل هي مرآة تعكس رأي المواطن، وهمومه، وتطلعاته. وهي فرصة للحكومة أن تسمع دون أن تُقاطع، وتفهم دون أن تُفسّر، وتصلح دون أن تُبرر.
لكن حين لا يجد المواطن تفاعلًا واضحًا أو ردًا يشرح له ما جرى بعد تقديم شكواه، فقد يشعر أن صوته لم يصل، أو أن رأيه لم يُؤخذ بعين الاعتبار. وهنا تبدأ الحاجة إلى تطوير هذه المنصات، ليس فقط من حيث الشكل، بل من حيث المتابعة والشفافية، حتى تبقى الثقة قائمة، ويشعر المواطن أن رأيه يُحترم ويُؤثر.
فالمواطن لا يريد أن يشتكي فقط، بل أن يُحترم حين يشتكي. يريد أن يشعر أن رأيه ليس مجرد “بيانات”، بل “بوصلة” توجه القرار.

في زمن التحول الرقمي، لا يكفي أن نُنشئ منصات، بل يجب أن نُنشئ ثقة.لا يكفي أن نُتيح الشكوى، بل يجب أن نُتيح الاستجابة.
ولا يكفي أن نُسجل رأي المواطن، بل يجب أن نُترجمه إلى سياسة عامة.
وتوجد تشريعات وسياسات واضحة تضمن حق المواطن في تقديم الشكاوى والمقترحات إلى الجهات الحكومية، دون خوف أو تردد.
فمن خلال سياسة التعامل مع الشكاوى والمقترحات المعتمدة في العديد من المؤسسات، يُؤكد أن: للمواطن الحق في تقديم شكوى بشأن أي خدمة أو إجراء يراه غير مناسب وتُعامل الشكاوى بسرية واحترام، وتُسجّل وتُتابع وفق إجراءات رسمية ولا يجوز اتخاذ أي إجراء سلبي ضد المواطن بسبب تقديمه شكوى كما تُتاح له معرفة حالة شكواه ومراحل متابعتها

هذه المبادئ تعكس التزام الحكومة بتعزيز الشفافية، وتؤكد أن الشكوى ليست مجرد إجراء إداري، بل حق مدني يهدف إلى تحسين الأداء وتطوير الخدمات ، فحين يشعر المواطن أن القانون يحميه وهو يُعبّر عن رأيه، تزداد ثقته في المنصات، ويصبح أكثر استعدادًا للمشاركة الإيجابية في تطوير وطنه.
فلتكن الشكوى الإلكترونية طريقًا مختصرًا لفهم رأي المواطن،
ولا نريدها ان تكون سهلة لطريق أطول للحفظ !

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى