المقالات

الوطن والمواطن الزبون

بقلم : مسلم بن احمد العوائد

الوطن ليس مجرد حدود جغرافية، بل هو شعب وسلطة، و أمن واستقرار، حرية ومجد، فخر وتاريخ، صنعه ويصونه رجال صادقون مخلصون، في كل مراحل بنائه.
الوطن لا يقبل الخبثاء، ولا يقبل الفاسدين، ولا العنصريين الذين يختزلونه في فئة ضيقة، في بقعة صغيرة، بفكر أضيق، ونفس أظلم، وقلب حسود. الوطن كبير، ولا يقبل إلا الكبار، ويلفظ الصغار، والتاريخ شاهد لا يرحم.
الوطن يعطي و لا يأخذ. الوطن هيبة، وقانون، وتسامح، وتعايش.

هذا قبل…
أما بعد…

المواطن الصادق هو الذي يحب وطنه ومجتمعه وتاريخه وسلطته، ويحترم القانون، ويبذل الغالي والنفيس من أجل رفعة الوطن، فصلاح المواطن من صلاح عقيدته، بها تسمو مكارم الأخلاق والأمانة والقوة والمعرفة، وتعلو العزيمة. وإلى جانب ذلك، هناك المواطن الفاسد الذي يختزل الوطن بتاريخه ومكوناته وثقافته لصالح فئة معينة. كذلك، هناك “مواطن” في موقع المسؤولية يرى الوطن كشركة والمواطن كزبون، والمال العام حقه وفئته دون غيره، وهنا تكمن الخطورة، حين تنتزع من الوطن هيبته ويُعامل كما لو كان شركة مساهمة في سوق البورصة، تستهدف المواطن ” الزبون” في معيشته وحريته، لتعويض فشل المسؤول ” المواطن” عن تحقيق اهداف وطنية مخلصة.

أخيرًا…

حين يدير المسؤول الوطن بعقلية الربح والخسارة، ويرى المواطن مجرد “زبون”، والوطن شركة مساهمة، والمواطنة مكاسب شخصية، فإنه قد لا يترك للمواطن الصالح خيارًا سوى البحث عن مصلحته وسلامته، وتتحول العلاقة من ولاء و انتماء إلى عقد خدمي مؤقت وعداء.
وحين يدير المسؤول الوطن بعقلية المواطن الصالح، يتحول من مستنقع الفقر والفساد والحرب والدماء، إلى واحة استقرار ونمو وازدهار، بل و غزو الفضاء. “رواندا نموذجًا “. وكأن قادة رواندا استلهموا وصية الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين قال: “….وأوصيك بالعدل في الرعية، والتفرغ لحوائجهم، ولا تؤثر غنيهم على فقيرهم، واجعل الناس عندك سواء، لا تبالِ على من وجب الحق، ولا تأخذك في الله لومة لائم…”.

ختامًا…

إن المتابع للمتغيرات الإقليمية، يدرك اسباب تحول الطغاة في ليلة وضحاها من سلطة مطلقة إلى ذلٍّ مطلق، وعودة الوطن المسلوب إلى المواطن المغلوب. ومن لم يستوعب الدرس والعبرة، فلن تنفعه الأموال ولا السلطة ولا الفئة ولا حتى حلفاء المصلحة.

إن هذه المتغيرات تستوجب على كل رجل رشيد يحب وطنه بصدق، أن يقف بحزم في وجه من يسعى إلى تقزيم الوطن بجغرافيته وتاريخه وثقافته وسلطته الى شبه ملكيه لفئة معينه، تستأثر بجميع مفاصله وخاصة الإدارية، والمالية والتخطيطية، ثم فوق ذلك تطالب المواطن بالولاء والانتماء!

قال تعالى مخاطبًا نبيه الكريم:
﴿وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ فإذا كان هذا الخطاب الإلهي لخير الخلق، فكيف بغيره؟.

قيل: من تجاهل الناس، سيأتي يوم يتجاهله الناس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى