عمانيات

دراسة لغوية في لهجة صلالة للدكتور محمد المعشني

تلخيص: حليمة باحشوان

في بحث بعنوان “دراسة لغوية في لهجة صلالة” ألقاه الدكتور محمد بن سالم المعشني –أستاذ مشارك، علم اللهجات، قسم اللغة العربية، جامعة السلطان قابوس” ونُشر في مجلة الخليل التابعة لجامعة نزوى للدراسات الأدبية واللغوية في العدد الأول سنة 2014م.

تناول البحث اللهجة العامية لمدينة صلالة، مركز محافظة ظفار، ولكون هذه اللهجة لم تُتطرق لها من قبل؛ حيث كان انشغال العلماء في فهم معاني مفردات القرآن والحديث الشريف، ثم اتسع نطاقه في القرن الأول الهجري فشمل مستويات اللغة الفصحى: الصرفية والنحوية والدلالية والصوتية والمعجمية وأساليبها البلاغية؛ وهذا ما دفعهم للانبهار باللغة العربية يوما بعد يوم وشغلهم بذلك عن أشكال الخطاب وأساليب التعبير الأخرى في اللهجات العربية. ولا يُستغرب على العلماء ذلك إذ كان الهدف الأسمى في تلك الفترة هو المحافظة على القرآن الكريم ونشر الدين الإسلامي وتعليم اللغة التي ارتضاها الله لنبيه الكريم. كما أشار البحث إلى أن إبعاد تأثير اللهجات العامية على اللغة العربية الفصحى كان الشغل الشاغل لعلماء العرب والمسلمين منذ بداية الدرس اللغوي العربي وحتى العصر الحديث. 

المكانة التاريخية لمدينة صلالة: 

تتبوأ ظفار المدينة التاريخية القديمة التي ورثت مكانتها مدينة صلالة في العقود الأخيرة، أهمية تاريخية وجغرافية مميزة منذ العقود القديمة وحتى اليوم، فقد هيأ لها موقعها الجغرافي أن تكون جسرا للتواصل الحضاري والاقتصادي بين مناطق جنوب شبة الجزيرة العربية الشرقية وحضارات العالم، كحضارات اليمن والشام والعراق ومصر واليونان والهند والصين وبلاد فارس. كما تعد ظفار موطن عاد وأرض الأحقاف المذكورة في المصادر القديمة والحديثة، وهي إحدى المناطق التابعة لسبأ وحمير التي كانت في غنى وثراء لا نظير له في كل بلاد العرب بسبب تجارة اللبان الذي كان أثمن وأغلى المنتجات في الحضارات القديمة كما ذكر عدد من الكتاب الإغريق والرومان. كما ورد ذكر ظفار في السجلات المصرية القديمة باعتبار أنها كانت ميناء مزدهرا وسوقا رائجة في فترة مبكرة من التاريخ. أما في العصور الإسلامية فقد راجت في ظفار تجارة الخيول مع غيرها من الأنشطة الاقتصادية القائمة على التصدير والاستيراد. كما كانت تشتهر بكثرة البساتين والمزروعات، فقد ذكر الرحالة ابن بطوطة الذي زار ظفار عام 736هـ عن بساتينها التي فيها موز كبير الحجم طيب الطعم شديد الحلاوة، وذكر التنبول والنارجيل، وتحدث عن قمح يسمى العلس، وأشار إلى أن الأرز يجلب من الهند، وهو أكثر طعام أهل ظفار. ووصف أسواقها بأنها من أكبر أسواق العالم، وتحدث عن وفرة الفواكه والأسماك فيها، وعن تواضع أهلها وتهذيبهم واستقامتهم وودهم مع الغرباء، وبأنهم أهل تجارة. 

التسمية ومعناها:

المعنى اللغوي لكلمة صلالة مرتبط بالأصل اللغوي الثلاثي “ص ل ل “: الصَلَّة: الأرض اليابسة والصلبة أو الأرض التي لم يصبها مطر بين أراض ماطرة. وصل الشراب: صفاه. وصل الحب: نقاه، والصَّلالُ: العشب، والأمطار المتفرقة يقع منها الشيء بعد الشيء. 

وتنطق كلمة صلالة في لسان ظفار: صِلُلْتْ، وهو لفظ مؤنث، وجمعه: صلِيلْ بياء ممالة إلى ألف. واللفظ المذكر منها: صِلِلْ، وتطلق على الشخص المتصف بصفات رفيعة من النقاء والنبل والإباء. 

وهذه المعاني اللغوية متوافقة مع طبيعة الموقع الذي تقع عليه مدينة صلالة؛ فهو موقع سهل فسيح مفتوح ذو تربة نقية خصبة، ويتعرض لأمطار الخريف الموسمية. واسم صلالة ظهر متأخرا عن اسم ظفار، ويطلق على المنطقة الواقعة بين ما يعرف قديما بالحافة وعوقد، أو على موقع محدد يتوسطها. ومع بداية النهضة وتوسع المدينة عمرانيا ظهر ما يعرف بصلالة الشرقية وصلالة الغربية وصلالة الوسطى، ثم اتسعت المدينة مع النهضة وامتدت باتجاه ” الجرابيب” وهي السهول الممتدة من مساقط الجبال حتى الشاطئ. ومع توسع العمران في عصر النهضة وظهور مدن وأحياء جديدة عمم اسم صلالة ليشمل كل من عوقد والحافة والدهاريز، إلى أن أُطلق في الوقت الحاضر ولاية صلالة على المدينة المعروفة وكل مناطق الساحل والسهل والجبل التابعة لها من حدود ولاية طاقة في الغرب حتى ولاية رخيوت في الغرب. ولم تعد المدينة تسمى ظفار، بل أُطلق ظفار على المحافظة بأكملها. 

التركيبة الاجتماعية:

يتكون معظم سكان هذه المنطقة من قبائل وعشائر قحطانية الأصل، متمسكين بانتماءات وتقاليد وأعراف متشابهة مع بقية القبائل القحطانية في السلطنة. ويصنف مجتمع المنطقة بأنه مجتمع زراعي يعتمد على زراعة الموز والفافاي والنارجيل، كما يعمل معظم أهلها في التجارة والصيد وركوب البحر، وقليل من أهلها لهم مهن وحرف يكسبون رزقهم منها. وقد كانت ظفار منذ القدم مدينة للعلم والعلماء، يفد إليها الطلاب من كل مكان لاسيما من اليمن طلبا للعلم. حيث كانوا يجتمعون في بيوتات علم (تٌسمى بالرباط) يتلقون مختلف العلوم على يد شيخ مرقوق، ويتم الإنفاق عليها من الأموال المخصصة لهذا الرباط. إلا أن الحركة العلمية لظفار ضعفت تدريجيا خلال القرون الثلاثة الأخيرة نظرا للظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي مرت بها المنطقة. وفي عهد النهضة الحديث بتولي جلالة السلطان قابوس –غفر الله له- مقاليد الحكم في 1970م بدأت الحركة العلمية بالظهور. وبالرغم من كون مدينة صلالة من أكبر المدن في المحافظة والتي تتعد فيها القبائل العربية من كل مكان إلا أنه من النادر أن يتم فيها فصل القبيلة عن القبيلة أو تميز لهجة عن لهجة، حيث لا يوجد ذكر للقبيلة في تاريخها إنما ذكر للحكام والعلماء والخطباء والأدباء والفصحاء، بالتالي فمن المتوقع أن تكون العربية الفصحى هي الأكثر انتشارا والأقرب للهجة المحلية في المنطقة. 

ظواهر صوتية في لهجة صلالة:

الإمالة: هي الميل بنطق الفتحة إلى الكسرة أو بالألف إلى الياء، وهي ظاهرة لغوية قديمة. (مثال: فتحة اللام في كلمة: ولَد التي تُنطق وَليدْ بإمالة الفتحة إلى كسرة ثم مدها)، (مثال آخر: إمالة الياء في “جمالات” أي جمع جمل بالتالي تصبح جَمْلَيتْ في لهجة صلالة).

ظاهرة قلب ضمة تاء ضمير المتكلم “ت” إلى فتحة: (مثال: أنا كتبتُ تنطق هكذا: آني كتبتَه أو كتبتا).

ظاهرة الإتيان بهاء خفيفة بعد تاء المتكلم وتاء المخاطب: (مثال: آني كتبتَه أي أنا كتبتُهْ).

مد بعض الحركات القصيرة وإطالتها: (مثال: كبراتْ بدل من كبرَت، أو دخَال بمعنى دخل).

تقصير بعض الحركات الطويلة: من صورها (مْشَ، رَمَ، عَوَ، سعَ، وقضَ بدلا من مشى ورمى وعوى ودعا وقضى)، (مثال آخر: يقُلك بدلا من يقول لك، يشُلَّك بدلا من يشيل لك).

تحويل بعض الحركات وبعض حروف العلة إلى نظيراتها: (مثال: تحويل ألف أنا إلى ياء آني، وتحويل واو رجوتك إلى ياء رجيتك، وتحويل ألف هذا إلى هذي)، (مثال آخر: تحويل ألف نام إلى ياء كما في المثل “صُدٌق النِّية ونَيم في الطريق”)، (مثال آخر: تحويل واو جنون إلى ألف لتصير جنان كما المثل” ما حد يبدل بعقله جُنان”)، (مثال آخر: تحويل الياء في جيب إلى ألف لتصير جاب، بمعنى أحضِر)، (مثال أخير: تحويل واو جوعان إلى ياء لتصير جميعان). 

أنواع حركات اللهجة:

الفتحة القصيرة العادية، كما في: بحَرْ، قمَرْ.

– الفتحة المرققة: ذبَحْ، محزَمْ.

– الفتحة المفخمة: ظَلْمُهُ: ظَلَمَهُ، وصَحْلَهْ: إناء للشرب.

– الفتحة الطويلة: جابْ، زالْ.

– الفتحة الممالة إلى كسرة: كبرَتْ، وتعشَّ.

– الفتحة الممالة إلى ضمة: سَوق، فَوقْ.

– الفتحة الممالة إلى ياء: جبَيل “جبل”، وينْ، بيتْ.

– الكسرة القصيرة: بِتْ: بمعنى بنت، جِنْ.

– الكسرة الطويلة: كبيرْ، طويلَ، كثيرْ.

– الكسرة الممالة إلى فتحة: أنتِ كتَبْت.

– الضمة القصيرة العادية: يشْكُر، غُصَّهْ.

– الضمة الطويلة: عيُون، قرُونْ.

– الضمة الطويلة الممالة إلى ألف: يشُوف، حَبْرُوتْ “اسم منطقة”.

خصائص نطق بعض الأصوات في لهجة صلالة: 

ينطق حرف الجيم في لهجة ظفار غير معطش شبيها بالجيم القاهرية والتي يمثل لها بالصوت ” g ” من الإنجليزية (مثل: جبَل، حجَر، ومرجَل)، أما الضاد فيُنطق ظاءً كسائر لهجات عمان (مثال: ظال وظابط بدل ضال وضابط)، أما القاف فهو صوت لهوي مهموس مطابق للقاف في العربية الفصحى المعاصرة (كما في الداخلية وصلالة التي تعد مراكز للحضارة)، أما الذال فقد ينطق دالا في بعض الأحيان في كلمة “دحِّين” من قبل بعض الكبار بالرغم من أن نطقها الشائع لليوم هو ذحِّين بالذال.

حالات الهمزة في لهجة صلالة:

1- تسهيل الهمزة وإسقاطها: (مثال: “إذا أردت أن تنذكر، فعَلْ خير أو منكر”. حذف همزة الوصل من افعل)، (مثال آخر: “حطُّه فوقْ راس المرَهْ الحٌبلَه” حيث سهلت همزة رأس، وأسقطت همزة المرأة)، (مثال ثالث: “خذ خبارهم” أسقطت همزة أخبار)، (مثال رابع: حذف همزة القطع في أول “أخوات، أخوان، أعمام، أخوال” لتصبح “خوان، خوات، عمام، خوالي”، كما هو الحال في اللونين “الأحمر والأخضر” فتصبح “حمار، خضار”، كما تسقط الهمزة في نهاية “حمراء، خضراه، بيضاء” ويتم استبدالها بهاء خفيفة لتصبح “حمْره، خضْره، وبيضَه” في حال التعريف).

2- قلب الهمزة لاما: (مثال: “اللُّولي ما خلى للتالي شِي” وكما هو ملاحظ فإن همزة الأولي أصبحت لاما مشددة، كما صارت شين شيء مكسورة، وهمزة شيء سقطت).

3- قلب الهمزة ياءً: (مثال: “قرايَهْ ما تنفع على قلب قاسي” أي قراءة)، (مثال آخر: ماياكل الدُّجْر يشربْ إلا مايُه” والدجر هو اللوبيا، والقصد بمايه أي ماؤه).

4- قلب همزة الحال والمضارعة باءً: (مثال: آني بكتُبْ، آني بمْشي أي أنا أكتب، وأنا أمشي).

5- قلب الهمزة عينا في كلمة: العنجريزي أي الإنجليزية، أو قلبها فاءً أو واواً أو هاءً أو ياءً في: وين، فين، هين.

حالات الإبدال، الذي هو جعل صوت مكان صوت في بعض الكلمات:

– إبدال اللام نونًا في كلمة “جَعْنُونا” أي اجعلونا.

– إبدال الضاد ظاء في المطلق، مثل: (أظحية، ظابط)، وهو في معظم اللهجات المعاصرة.

– إبدال الثاء فاءً، مثل: (فلّاجه أي ثلّاجه).

– إبدال السين شيناً، مثل: (مشتشفى بدل مستشفى).

– إبدال الفاء ثاءً في كلمة: (ثومك أي فمك).

– إبدال الكاف خاءً، مثل: (دختور بدل دكتور)، وإبدالها شيناً من كاف المخاطبة، مثل: كتابشْ أي كتابكِ).

– إبدال اللام راءً في: (ياريت، زنجبير، دهْريز، اربارحْ، مكان: ياليت وزنجبيل ودهليز والبارحة.

وحالات الإبدال السابقة نادرة ومحصورة في كلمات قليلة وأغلبها دخيل أو معرب، وما بقي له نظائر في اللهجات القديمة والمعاصرة. 

أما على المستوى المعجمي والدلالي فقد وضحت الدراسة أن معظم مفردات لهجة صلالة متطابق مع الفصحى أو قريب منها، وهو ما يدل على فصاحة وأصالة مفردات لهجة صلالة المحلية.

 يمثل لسان ظفار العربي الجنوبي أو الحميري امتدادا للعربية الجنوبية القديمة المنقرضة، وقسم من مفرداتها أتى من تأثرها بلغات أجنبية. 

للاطلاع على الجوانب الصرفية والنحوية للهجة يمكنكم الاطلاع على الدراسة.

المرجع:

المعشني، محمد بن سالم، دراسة لغوية في لهجة صلالة المحلية، نشرت في مجلة الخليل الأدبية، 2014م. 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى