وهج الحروف

قبل أن يبتلعهن الطريق

‏بقلم: زكية الشبيبي

في الحافلة وعلى الطريق الملتوية،التقطن أنفاسهن المتعبة إثر الصيام ووعثاء الطريق،شفاه متشققة ووجوه غشيها التعب،في كل مقعد نبتت ريحانة عبقة،تفوحُ شبابا وعنفوانا وطُهرًا،قرآن يتلى بسكينة على أحد المقاعد،أصابع ندية تنكز خاتم التسبيح لم تفتأ عن ذكر الله،سماعة بلوتوث مدسوسة بخفية وهي تتنقل من برودكاست لآخر غير آبهة بطول الطريق…دردشة على الوتساب تتردد بغزارة من هذا المقعد وذاك،رسائل تلو الأخرى في طريقها للرمق الأخير لتكون مجرد ذكرى حبيسة في صفحات الهواتف الرفيقة!،رسالة صوتية من ذلك المقعد،صوتٌ كالهمس:
_سأكون معكم على الفطور…
أضافت:
_أتمنى أن تكون شوربة الدجاج التي أحبها حاضرة ياأمي فلا أحد يطبخها مثلك…
في مقعدٍ آخر…كانت تتفقد فطورها الذي خبأته على عجل،حبات من التمر لُفَّت بعناية في كيس نايلون شفاف،عبوةٌ من لبن المراعي الكامل الدسم،تظن جازمة بأنها ستفطر في الطريق مثل كُلِّ مرة…
همهمات جانبية تنبعث من المقاعد الخلفية حول تجهيزات العيد الذي يتهيأ للقدوم،تبادلن بينهن الحسابات التجارية،تشاركن الصور،عن القفاطين المغربية والمخاوير الجذابة،العطور والحُلي والأحذية،عن كل شيء يشي به ذلك العيدُ القادم من غياهب الغيب…
وفي لحظةٍ مواتية،تدحرجت الحافلة كلعبة،إنحرافٌ عن المسار،صوت ارتطامٍ مُدَّوي،كشطيرة قسمت نصفين إنتهى حال تلك الحافلة البيضاء،أرواح تحتضر،موتٌ مُباغت ،ذبلت الرياحين واجتثت من جذورها بقسوة،هكذا طوى الأجل ستاره موصدًا نافذة الحياة،لتبقى التفاصيل الأخيرة…الرسائل الأخيرة ….الكلمات الأخيرة …الذكريات الشاهدة عن فتياتٍ كالرياحين لم تكتمل أحلامهن كُنَّ بيننا قبل أن يبتلعهن الطريق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى