رأي وهج الخليج

إلى سيدي السلطان مع التحية (12)

إلى سيدي السلطان مع التحية (12).. العقاب لايعني المساءلة الإدارية فقط

إستكمالاً للمقال السابق ” منظومة النزاهة والمساءلة والعقاب “، فإن غياب العقاب الجزائي ضد الفساد يفاقم من انعدام ثقة المواطنين تجاه مؤسسات العمل الحكومية، وإن الإنتقال إلى مرحلة جديدة في مكافحة الفساد ببلادنا يمثل خياراً حتمياً لإحداث تغييرٍ عميق في مستويات المنحنى المرتفع الذي تعرفه هذه الآفة. لذلك، فإن الشعور العام الساخط الذي يتغذى ويتعاظم على مشاهدة ظواهر الفساد المتمثلة في استغلال النفوذ، أو الظلم، أو المحسوبية والامتيازات، أو لمختلف صور الفساد، والمصحوب بالإحساس باللاعقاب إزاء سلوكيات إجرامية كهذه، يفاقم من ظاهرة انعدام ثقة المواطنين فيما بينهم من جهة، وثقتهم إزاء دولة المؤسسات وحكم القانون من جهة ثانية، ولقد أكدت كثير من الدراسات العلمية تداعيات آفة الفساد على اهتزاز الثقة العامة في المؤسسات وفي تحجيم مختلف الجهود المبذولة لإعادة بناء الثقة مهما بذل في شأنها الجهد.

لا شك أن من أشد أخطار عدم المساءلة الجزائية لمرتكبي الفساد أنه يتسبب في إعاقة اجتياز البلدان للمراحل الانتقالية خاصة المفصلية منها كالتغييرات في القيادات السياسية للدول أو محاولات إجتياز أزمات وطنية وعالمية ( كالحالة التي تشهدها عُماننا الأبية )، وخصوصاً عندما يكون الإختلاس والمحسوبية والإمتيازات وتضييع الفرص وتفويتها على الوطن ينال ثروات مالية أو طبيعية والتي تكون الدولة في أمس الحاجة إليها، ومثلها تلك الفرص الإسثمارية الإستراتيجية المهدرة قصداً لحرمان الوطن من الاستفادة منها.

إن ثقافة السرية والحصانة وعدم الشفافية في متابعة المسئولين هي العدو الأول والأسوء للشفافية والنزاهة وتجعل من القوانين وأنظمة مكافحة الفساد مسألة نظريه لا تتجاوز ” إيعاز حركه تنظيم ” كما يعرف في ميادين التدريبات العسكرية، إذ لا يراوح الفرد مكانه ويبقى في حركة دائمة في نفس المربع الذي يقف عليه.
بالتأكيد يبقى الفساد المهدد الأول للأمن الوطني والمقوض الأوحد لأسس قيام الدولة. وعلى ضوء ذلك يجب إيقاف الدوائر الأوليغارشية ( الأوليغارشية – Oligarchy هي هيمنة جماعة صغيرة تعمل في السلطة ) التي همها الأوحد استغلال وتحقيق المنافع الذاتية والشراكات التجارية المشبوهة وتفرض مصالحها الخاصة في كل شيء. وعلى ضوء ذلك فإن مكافحة الفساد لا تعني إدخال لوائح تنظيمية أو ” تنظيف” الحكومة فحسب، بل إن القضاء على الفساد يعني استرداد البلاد مرة أخرى من قبضة هذه الدوائر الأوليغارشية الممتلئة بالمسؤولين الفاسدين والشراكات الفاسدة، ومعاقبة أؤلائك المسئولين الذين يعتقدون أن بتقاعدهم أو خروجهم من المشهد سوف يعفيهم من المساءلة.
لتبقى عُمان عزيزة أبية على الإنكسار، بسلطانها المفدى، ورجالها المخلصين…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى