المقالات

مسلمو ماينمار والخريطة الضائعة

بقلم:جمال الكندي

يقال إن السياسة هي لعبة التحالفات والمصالح المشتركة ولا توجد في أبجدياتها مكان للعاطفة، بل على العكس ربما وفي كثير من الأحيان توظف العاطفة لكسب مكاسب سياسية واقتصادية من قبل الدول، وهذا طبعاً رأيناه واضحاً لدى القوى الغربية عندما تتدخل في الجغرافيا العراقية والسورية، أو أي منطقة غنية بالمورد الطبيعية، ومهمة جغرافياً لها تحت شعار حقوق الإنسان.
قد أكون أفردت لعنوان المقال مقدمة ربما تكون عند كثر من الناس غريبة ولا تدخل في صلب عنوان المقال، ولكني قصت ذلك، لكي أصل مع القارئ العزير إلى نقطة معينة مفادها أن الغرب، وأقصد هنا الغرب الإمبريالي الاحتلالي ولا أقصد الغرب كشعب لا يعير أي اهتمام لأي قضية في العالم إذا كانت ليست في مصلحته السياسية أو الاقتصادية أو العسكرية أو الأيدلوجية.
من هنا يأتي توصيف معنى لعبة السياسة بأنها عملية مصالح مشتركة فقط، ولا وجود للعاطفة فيها وأن وجدت فهي توظف من ضمن مداخل السياسة.

ما يجري اليوم وقبل اليوم من قتل وتهجير لمسلمي ميانمار وسكوت العالم الحر وقبله العالم العربي والإسلامي له شي عجيب وغريب، فأين تلك النخوة الإسلامية والتي قرأنا عنها في تاريخنا الإسلامي والصرخة المعروفة والتي كانت تنادي نخوة الإسلام فينا باسم “ومعصتماه” والتي اختزلت بين جنباتها معنى الانتماء إلى الإسلام، فحركة مشاعر المسلمين وعلى رأسهم خليفتهم في ذلك الوقت “المعتصم” في ذلك الوقت وهبوا لمساعدة من طلبت النجدة والقصة معروفة لدى الجميع وأمثالها كثيرة في تاريخنا الإسلامي.
قضية مسلمي ميانمار لابد لها من حل ولا بد من الدول الإسلامية والتي لها تأثير كبير مع القوى الفاعلة في العالم أن تستغل تحالفاتها مع هذه الدول الكبرى، لإيجاد حل لمشكلة مسلمي ميانمار. المسلمون في ميانمار هم أقلية أمام الأغلبية البوذية ومعظم هؤلاء المسلمون هم من شعب روينجية وذوي الأصول المنحدرة من مسلمي الهند، وتصنف الأمم المتحدة الروهينغا وهم مسلمي ميانمار، بأنهم أقلية دينية ولغوية يعيشون غربي ميانمار، وتقول إنهم من بين أكثر الأقليات تعرضا للاضطهاد في العالم، وهذا طبعاً توصيف الأمم المتحدة.

وقد طالب الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة، كوفي عنان، حسب ما نشرته وكالة الأناضول بتاريخ 24 أغسطس 2017 “أن على حكومة ميانمار بالتخلي عن القوة المفرطة في تعاملها مع أزمة مسلمي الروهينغيا بإقليم أراكان (راخين)، ومراقبة أداء قوات الأمن كأحد أساسيات حل الأزمة، حسب صحيفة “شانيل نيو أسيا” السنغافوري”.
وقال عنان، والذي يرأس اللجنة التي عينتها مستشارة الدولة في ميانمار، أون سان سو تشي، العام الماضي إنه “يتعين على الحكومة الميانمارية إعادة النظر في الربط القائم بين المواطنة والعرقية”.
وأضاف أن “وضع المسلمين في إقليم راخين يعكس أزمة حادة في حقوق الإنسان”، على خلفية انعدام حصولهم على أي جنسية، والتمييز الشديد الذي يتعرضون له. وتابع “لم يعد هناك وقت لنخسره، الوضع في راخين أصبح أكثر خطورة”.
وبحسب لجنة تقصى الحقائق، المكونة من 9 أعضاء بينهم 3 أجانب، يعيش في ميانمار 10 بالمائة من عديمي الجنسية ويشكل مسلمو “الروهينغا” أكبر جماعة من عديمي الجنسية في العالم.
وخلال السنوات الخمس الماضي، تم احتجاز نحو 120 ألفًا من مسلمي “الروهينغا” في مخيمات النزوح، دون منحهم حق المغادرة إلا بإذن، أو الحصول على الخدمات الرئيسية كالرعاية الصحية والتعليم، وفق الصحيفة السنغافورية.
وبموجب قانون أقرته ميانمار عام 1982، حرم نحو مليون مسلم من الروهينغيا من حق المواطنة، كما تعرضوا لسلسلة مجازر وعمليات تهجير ليتحولوا إلى أقلية مضطهدة بين أكثرية بوذية وحكومات غير محايدة.
وتعد الحكومة مسلمي “الروهينغيا” “مهاجرين غير شرعيين من بنغلادش”، فيما تصنفهم الأمم المتحدة الأقلية الدينية الأكثر تعرضًا للاضطهاد في العالم.
وقت وثقت الأمم المتحدة أعمال اغتصاب جماعي وعمليات قتل شملت أطفالًا وممارسات ضرب وحشي واختفاء بحق مسلمي الروهينغيا في ميانمار. ويقول ممثلو الروهينغيا، إن حوالى 004 شخص لقوا حتفهم خلال تلك العملية. هذه المعلومات ذكرتها وغيرها متوفرة لمن يريد أن يبحث عن هذه القضية وهي إنسانية بشكلها العام وتهمنا نحن كون هذه الفئة المستضعفة هم من المسلمين وتجعنا بهم وحدة العقيدة.
ربما لم تأخذ هذه القضية بعدها الإسلامي بالشكل الصحيح لدى الدول الإسلامية المجاورة لميانمار أو من قبل الدول الإسلامية ذات الثقل السياسي والاقتصادي لدى الغرب، والتي لو استغلت هذا الثقل لحلت المشكلة منذ زمن، وهنا أرجع لمقدمة المقالة والتي أربطها بمفتاح المصلحة والمنفعة المتبادلة، وغياب الوعي الديني وتأخير عبارة ومعصتماه، واستبدلها بمصطلح جديد أوجدته السياسة ودهاليزها، اسمه المصلحة والمنفعة المشتركة، لذلك نرى الخصام في غير موضعه والحب في غير موضعه كذلك.
الخارطة ضائعة وضياعها ما نره اليوم من تناحر وتقاتل في الجغرافيا الإسلامية، والمصلحة فيمن يملك خيوط اللعبة وهي إضعاف الوحدة العربية الإسلامية، وشغلنا بقتال بعضنا البعض، وهذه هي السياسة التي أضاعت مجد الإسلام والعرب وهي التي كانت سبب ضياع الأندلس.
فسيبقى مسلمو ميانمار على حالهم والتنديد والعون سيأتي من خارج أخوة العقيدة لأننا ببسطة مشغولين بقضية أكبر، قضية قتل الأطفال والشيوخ والنساء في اليمن وسوريا والعراق بأدوات نحن ساعدنا الغرب في إيجادها، بحجة التوازن العسكري المذهبي أن صح التعبير. فعفوناً مسلمي ميانمار مازالت الخارطة ضائعة والبوصلة مشتتة والله يكون في عوننا وعونكم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى