المقالات

رمضان غير.. هل سنتعلم منه كيف ندير التغيير؟

بقلم:د. رجب العويسي

 
يحمل شهر رمضان المبارك، معاني الإنسانية في سموّها ، والروحانية في اعتدالها، والأخلاق والقيم في تجلياتها، في ظل مبادئ راقية، وقيم عادلة، ومنظورات للحياة السعيدة المطمئنة، التي ترتشف من معين التقوى غراسها، لبناء حياة الانسان الواعي بمسؤولياته نحوها، المدرك لحدودها وحرماتها، السالك منهج الرشاد، المتجه بكل مهنية وإخلاص في صدق النفس ورقيها وقوّتها ورغبتها واصرارها وصبرها وحكمتها ووعيها نحو تحقيق هدف الصوم وبلوغ مقاصده الجليلة، وإذا كان شهر رمضان في حياة الناس “غير” – كما هو متعارف عليه في مصطلحهم ؛ فإن ذلك مردّه، ما ينتجه الصوم من إعادة برمجة فكر الانسان وقناعاته، وتوجيهها بالشكل الذي يبني في ذاته الآمال بقادم أفضل، عليه أن يضعه منطلقه في التعامل مع معطياته ومستجداته، فالحياة مع رمضان حلوة، ، تنشط فيه النفوس التائقة إلى رضا ربها، في استلهام معاني الخير، ليكون طريقا لها تمشي به في الناس ، علما وعملا، وعيا وفقها، شعورا وصدقا، رضا وقناعة، صبرا واحتسابا، فكان الصوم بذلك مسارا للتغيير، ومنهجا للعمل في ظل مسؤولية، ومدخلا يقي النفس عثراتها ويوجه مسارها، ، ويؤصل لها منهجها في العطاء النوعي الراقي، الذي يتجانب أسباب الشهرة أو كل ما يسلب منه مقاصد الاخلاص والمهنية، وهكذا يكون رمضان “غير”، لأنه يدخل التغيير من بابه الأساسي، المعتمد على فقه الوعي وثقافة الالتزام والحرص والشعور الجمعي بالحاجة للتغيير بعد بروز مؤشراته، وإدراك القيمة المترتبة عليه، التي ستكون بمثابة إعادة صياغة جذرية للممارسة، وبناء سلوك إنساني قادر على إعادة لحن الحياة من جديد في لهج الألسن، بالشكر والحمد والثناء، وبسط الأيدي بالصدقة والنفقة وأعمال البر، وكفّ الجوارح عن كل ما يسيء لمعاني الحياة النبيلة أو يعكر مزاج النفوس المطمئنة، فتقوى فيه أعمدة العطاء، وتتقدم مساحات الوعي، وتزداد أرصدة التواصل والتعاون، وتبرز قيمة المبادئ الانسانية كإطار يوجه حياة المسلم ويحتويها، فيصبح التغيير مرحلة لفرض واقع جديد مرغوب فيه، مليء بالفرص والانجازات، والبحث عن بدائل متجددة وآليات عمل متنوعة، ومناخات تقوى فيها فرص العمل المشترك من أجل بناء الهدف.
لم يكن التغيير في رمضان مجرد سلوك اعتيادي عفوي فقط أو ظاهرة وقتية مزاجيه، بل سلوك موجه ومنهج عمل راسخ، ومبادئ رصينة تعتمد على فكر رصين ومسارات عمل تتناغم مع متطلبات التميز الإنساني وتقدم الشعوب والمجتمعات، في اعتمادها المهنية الفائقة الجدارة في إدارة التغيير، فيتحول بذلك رمضان إلى سلوك يترجم الفكر الراقي النابض بالمسؤولية والحياة ، المدرك لقيمة العمل وفق نظام وتخطيط ووضوح أدوات ومنهجيات عمل مقننة، وموارد داعمة، عبر استثمار أوقاته وحركاته وسكناته، وإدراكه لقيمة الصوم وآليات الإبقاء على رونقه وقوته في مستوى بلوغ الأهداف، وبالتالي البحث عن كل الأدوات المبتكرة التي تقلل من مخاطر تضييع الصوم، والمعيقات التي تقف في وجه نجاحاته وقبوله، وهكذا التغيير الناجح المتجه بالإنسان إلى سمو الاهداف ، استثمار في الانسان يعزز اتجاهاته الايجابية، ويصنع منه قدوات وقدرات لبناء الوطن ونهضته وتقدمه، وتترسخ فيه العادات النوعية القائمة عل نقل التغيير، إلى كونه عامل مؤثر في حياة الإنسان، عبر منظومة متكاملة من التخطيط والتنظيم والتقييم والمراجعة والتطوير في الآليات، ورسم سيناريوهات عمل قادمة، تضع شهر رمضان كمدخل لصناعة التغيير في حياة الأمة ونقلها من واقعها المتشائم، لذا كان البحث في دور رمضان كمدخل لإدارة التغيير الواعي، ينطلق من مستوى الوعي المتحقق به، والفهم لمدركاته، والالتزام بمبادئه، كمرتكزات للتغيير الهادف في حياه المسلم، وهو يعي مقاصد الصيام، ويدرك مسؤولياته نحوه، ويبني عليه مسارات قادمة في حياته، قائمة على التمكين وتوطين النفس وحسّ المسؤولية والشعور بقيمة الحياة وتجلياتها الايمانية، فيما يقدمه للوطن والإنسانية من خير، وما يصنعه من معروف، أو يتصدق به من أجل أفراد وطنه وجمعياته ومؤسساته، فتقوى قيمة العمل التطوعي، وتنهض همم الناس المؤصلة لقيم التكافل والتعاون والبر والإحسان، بل تسمو روحانيات النفس القائمة على حسن الخلق، وحكمة التصرف، وقيمة التآلف، وتقدير الآخر والشعور به والاعتراف بإنسانيته، ليصنع شهر رمضان من رصيد العطاء والاخلاص والفضل، فضاءات كونية داعمة للسلام والأمان والتسامح، فيشعر بالآخر فيتعايش معه، ويدرك حاجته إليه ويعي فضل الله وكرمه، الذي ينبغي أن يترجمه الإنسان في ظل منهج التغيير إلى نماذج حياتية معايشة من الود والتعاون والتكامل بين أبناء المجتمع، فيقوى حب بعضهم البعض، وتنمو صفة التناغم بينهم، وتتعزز فرص الوحدة، ويتقاسم الجميع مسؤولياته، ويعي حدود عمله وأدواره، بل يتيح له الصوم فرص البحث عن الاتقان في السلوك، وتقديم الأفضل في الممارسة فيتنافس الجميع لبلوغ هدف التقوى.
عليه، فإن التغيير عندما يقوم على هذه الخصال، ويدرك هذه المعاني، ويتربع على عرش مبادئ الاخلاص والعطاء والحب والايثار والوحدة والصدق من أجل الأوطان، ويتسامى الناس خلاله فوق كل صيحات الاغتراب والمذهبيات والطائفية والأحقاد والحريات التي تسلب حق الأوطان وهيبة رموزها، عندها سيكون التغيير في ثوب ملؤه الحكمة والاتزان ووضوح الهدف وثبات المبدأ بما يضمن له الاستمرارية والقوة في مواجهة المؤثرات السلبية التي تثنيه عن مقاصده أو تنحرف به عن وجهته، إننا بحاجة اليوم لأن نصنع من شهر الصوم فرص التغيير الذاتي، لنعيد صياغة أنفسنا من جديد، وبعثها بشكل يضمن احترامنا للحياة ورقي ممارساتنا فيها، ويضمن حماية أنفسنا وصون قدسية أوطاننا من كل أسباب الشطط والتسرع في الأحكام أو النقد بدون ضمير، فليكن رمضان مدخلنا لإصلاح أنفسنا، وصياغة قالب حياتنا في لحن الشهامة والذوق، وسلوك متجدد ينشر الخير للإنسانية، ويبحث عن التغيير المعزز باستراتيجيات العمل المشترك الواعي، ليسود عالمنا السلام وتحيا شعوبه في حب ووئام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى