بين التغيير والتبديل

بقلم : مسلم بن أحمد العوائد
من لم يتغيّر مع الزمن، تغيّر عليه الزمن؛ حكمة مأثورة تختصر واقعا معايشا، وخاصة في ظل الثورة التقنية والصناعية المتسارعة، التي تتجاوز فهم وإدراك كثير من البشر.
هذا التطور المتسارع أحدث فجوة واسعة بين الأجيال، وبين الشباب والكبار، بل أحدث حيرةً وتيهًا في الأفهام، وعمِّق الفجوة بين المسؤول الذي يجهل أو يتجاهل أدوات التغيير، وبين حاجة المجتمع إلى التغيير الإيجابي، لا إلى التبديل.
ولا شك أن هناك فروقا جوهرية بين التبديل والتغيير والتطوير.
فالتطوير والتغيير الإيجابي متلازمان؛ فالتطوير هو الاستمرار في النجاح مهما كانت الظروف والتحديات. فعندما يتوقف التطوير، تتوقف عجلة التغيير التي تقود الأفراد والدول إلى الريادة النهضوية. أما التبديل، كاستبدال سيارة بأخرى، أو أثاث بغيره، أو عقار بآخر؛ فهو تبديل شكلي، غايته الاستهلاك والتطبيل.
وهنا مكمن الخطر، كما يقول أهل الصنعة؛ فعندما يُعلن عن “تغيير” ما، وهو في حقيقته تبديل: موظف بدل آخر، أو قانون بدل آخر، أو هيكلة بدل أخرى؛ يعلو صوت النباح، وينبري الشُّرّاح، وينزوي الأمل في المجتمع، وتموت الهمم في قلوب أهل الصدق والكفاح.
هذا قبل…
أما بعد…
ولتقريب مفهوم التغيير الحقيقي، فلننظر إلى حال العرب قبل بعثة النبي ﷺ: تعصّب قبلي، وفرقة، وجهل وعبودية للأحجار والأشجار، وهيمنة الروم والفرس عليهم. ثم جاء التغيير الحق، فأعزّهم الله بالإسلام، فهزموا إمبراطوريات الروم والفرس وغيرها، وصاروا قادة للشرق والغرب، وبسطوا العدل والعلم والرخاء والأمن في أرجاء المعمورة.
قال الفاروق رضي الله عنه:
“كنا أذلَّ قومٍ فأعزَّنا الله بالإسلام، فمهما ابتغينا العزَّ بغيره أذلَّنا الله.”
إنه تغيير ينقل الناس من حال الخوف إلى الأمن، ومن الفقر إلى الغنى، ومن الذل والفرقة والعبودية المادية إلى التوحيد والوحدة والقوة.
أخيرا…
من أخطر صور “التغيير” أن يُستبدل موظف يدين بالطاعة العمياء للمصلحة الشخصية، بأحد الكفاءات الوطنية من رجالات الدولة؛ فيأتي البديل بعقيدة الفساد القانوني:
كيف أستفيد من المنصب؟
وكيف أُرضي من اختارني؟
وكيف أخدم دائرتي الضيقة؟
وكيف ألوِي القانون والإجراءات الإدارية لمصالح خاصة؟
وكأن لسان حاله كما قال المتنبي:
“ومن يَهُنْ يَسْهُلِ الهوانُ عليه
ما لِجُرحٍ بميّتٍ إيلامُ.”
أي إن من يهون عليه وطنه، ومجتمعه، وقيمه، وتاريخه، فلن يؤلمه ما يصيبها من ظلم أو تعصّب أو فقر أو إساءة سمعة، أو غليان وسخط المجتمع، ما دام يحقق مصلحة شخصية.
ختاما…
لم يكتب التاريخ أن قائدا سياسيا أو عسكريا حقق العز والنصر بعقيدة التبديل والمصلحة الشخصية، ولكنها عقيدة التغيير للأفضل، عقيدة طاعة الله ورسوله ثم طاعة ولي الأمر بالمعروف، وعقيدة العلم والمعرفة والإخلاص في التغيير والتطوير للأفضل، ومن ذلك اختيار الرجال الأكفاء لصناعة التغيير. وقد شهد الشرق والغرب نماذج واضحة لقادة امتلكوا الرؤية، وأحسنوا الاختيار، فصنعوا نهضة وبنوا دولا ذات قوة اقتصادية وسياسية واجتماعية وأمنية؛ كالحكام الذين أسسوا مجلس التعاون رحمهم الله، وغيرهم ممن قادوا التغيير حتى أصبحت بلدانهم تُحتذى بها، رغم محدودية مواردها الطبيعية ومساحتها وموقعها وتاريخها، مثالا لا حصرا؛ كولي كوان يو في سنغافورة، ومهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا، ونيلسون مانديلا، وبول كاغامي الذي غيّر رواندا من الاقتتال الأهلي إلى نهضة اقتصادية وصناعية وسياحية رائدة، وعلي عزت بيغوفيتش، وآخرين أمثالهم في الشرق والغرب.
فالتغيير، أيها السادة، قد يكون قوة تنهض بالدول وتبني الحضارات والمجتمعات، وقد يكون معول هدم لما حققه روّاد التغيير. والشواهد حيّة تسعى بين أعينكم وأسماعكم.




