وسط أزمة خلافة ذكورية .. هل تصبح أيكو أول إمبراطورة لليابان في العصر الحديث؟

وهج الخليج ـ وكالات
تُستقبل الأميرة اليابانية المحبوبة أيكو غالبا بهتافات تشبه استقبال نجوم البوب. فخلال زيارتها لمدينة ناجاساكي برفقة الإمبراطور ناروهيتو والإمبراطورة ماساكو، طغى صراخ المهنئين باسمها على الهتافات الموجهة إلى والديها على جانبي الطرق.
ومع إتمامها عامها الرابع والعشرين أمس الاثنين الأول من ديسمبر، يرغب مؤيدوها في تغيير قانون الخلافة الياباني الذي يقتصر على الذكور، والذي يمنع أيكو، الابنة الوحيدة للإمبراطور، من أن تعتلي العرش. وإلى جانب الشعور بالإحباط نتيجة تعثر النقاش حول قواعد الخلافة، تسود حالة من الإلحاح؛ إذ إن العائلة الإمبراطورية المتقلصة في اليابان باتت على حافة الانقراض. فابن شقيق ناروهيتو المراهق هو الوريث المؤهل الوحيد من الجيل الأصغر. ويقول الخبراء إن الحظر المفروض على اعتلاء النساء العرش يجب أن يُرفع قبل أن تختفي العائلة الإمبراطورية بالكامل، إلا أن المشرعين المحافظين، بمن فيهم رئيسة الوزراء ساناي تاكايشي، يعارضون هذا التغيير.
ـ شعبية أيكو تعزز المطالبة بملكة مستقبلية
وكسبت أيكو المزيد من الإعجاب منذ ظهورها كعضو بالغ في العائلة الإمبراطورية عام 2021، حين أثارت إعجاب الجمهور بذكائها ولطفها واهتمامها بالآخرين وروحها المرحة. وتزايد الدعم لأيكو كملكة مستقبلية بعد أول رحلة رسمية لها إلى الخارج بمفردها إلى لاوس في نوفمبر ، حيث مثّلت الإمبراطور. وخلال الزيارة التي استمرت ستة أيام، التقت كبار المسؤولين في لاوس، وزارت مواقع ثقافية وتاريخية، وتفاعلت مع السكان المحليين. وفي وقت سابق من هذا العام، رافقت أيكو والديها في زيارات إلى ناجاساكي وأوكيناوا. وسارت على خطى والدها الذي يولي أهمية كبيرة لنقل مآسي الحرب العالمية الثانية إلى الأجيال الشابة.
وقالت سيتسوكو ماتسوو “82 عاما” وهي ناجية من القصف الذري وكانت قد وصلت إلى حديقة السلام في ناجاساكي قبل ساعات من الموعد المقرر لوصول أيكو ووالديها إلى المنطقة: “لطالما تمنيت أن تتوج الأميرة أيكو”، مضيفة لأسوشييتد برس في ذلك الوقت: “أحب كل شيء فيها، وخصوصا ابتسامتها … إنها تبعث على الراحة”. أما ماري ماهيرا “58 عاما” وهي موظفة مكتب وكانت بانتظار أيكو في ناجاساكي لتحيتها، فقالت إنها شاهدت أيكو تكبر على مدى السنوات: “والآن نريد أن نراها تصبح ملكة في المستقبل.”
لقد دفعت شعبية الأميرة بعض الأشخاص إلى ممارسة الضغط على المشرعين لتغيير القانون. فرسام الكاريكاتير يوشينوري كوباياشي ألّف كتبا مصورة تدفع باتجاه تعديل القانون للسماح لأيكو باعتلاء العرش، وهي كتب يواصل المؤيدون إرسالها إلى أعضاء البرلمان لزيادة الوعي وكسب دعمهم للقضية. كما أن آخرين أنشأوا قنوات على يوتيوب ووزعوا منشورات لجذب اهتمام الجمهور بالقضية.
ـ نشأة أيكو
وُلدت الأميرة المحبوبة في الأول من ديسمبر عام 2001. وبعد فترة قصيرة من ولادة أيكو، أصيبت والدتها ماساكو، الدبلوماسية السابقة المتخرجة من جامعة هارفارد، بحالة صحية عقلية ناتجة عن التوتر، ويرجح أن سببها الانتقادات التي تعرضت لها لعدم إنجاب وريث ذكر. وما زالت في مرحلة التعافي منها حتى اليوم. كانت أيكو معروفة بأنها طفلة ذكية، وكانت، بصفتها من محبي السومو، تحفظ الأسماء الكاملة للمصارعين. لكنها واجهت صعوبات أيضا، ففي المرحلة الابتدائية، تغيبت لفترة قصيرة عن المدرسة بسبب تعرضها للتنمر. وفي سنوات المراهقة، ظهرت نحيفة للغاية وتغيبت عن الدراسة لمدة شهر كامل. في عام 2024، تخرجت أيكو من جامعة جاكوشوين، وهي الجامعة التي درس فيها والدها والعديد من أفراد العائلة الإمبراطورية. ومنذ ذلك الحين، شاركت في مهامها الرسمية وطقوس القصر، كما تعمل في جمعية الصليب الأحمر. وفي عطلات نهاية الأسبوع، تستمتع بالمشي مع والديها ولعب الكرة الطائرة والتنس والريشة الطائرة مع موظفي القصر.
ـ النظام الإمبراطوري الياباني في “مرحلة حرجة”
يسمح قانون الأسرة الإمبراطورية لعام 1947 بالوراثة عبر السلالة الذكورية فقط، ويجبر الأميرات اللواتي يتزوجن من عامة الشعب على فقدان صفتهن الإمبراطورية. وتراجع عدد أفراد العائلة الإمبراطورية بشكل سريع ليصل إلى 16 عضوا فقط، مقارنة بـ30 عضوا قبل ثلاثة عقود. وجميع أفرادها الحاليين من البالغين. لا يملك الإمبراطور ناروهيتو سوى وريثين ذكرين محتملين من الجيل الأصغر: شقيقه الأصغر، ولي العهد أكيشينو “60 عاما”، وابن أكيشينو “19 عاما” الأمير هيساهيتو. أما الأمير هيتاتشي، شقيق الإمبراطور السابق أكيهيتو وثالث من يحق لهم العرش، فيبلغ من العمر 90 عاما. وأقر أكيشينو بأن التقدم في العمر وتقلص عدد أفراد العائلة الإمبراطورية يمثلان مشكلة، “لكن لا يمكن فعل شيء في ظل النظام الحالي.” وقال للصحفيين قبيل عيد ميلاده الستين: “أعتقد أن كل ما يمكننا فعله الآن هو تقليص مهامنا الرسمية.”
وفي العام الماضي، أشار ولي العهد إلى أن أفراد العائلة الإمبراطورية هم “بشر” تتأثر حياتهم بالنقاش الدائر حول الخلافة، وهو تصريح دقيق لكنه نادر. وقال أكيشينو، الأحد الماضي، إن شيئا لم يتغير، رغم أن مسؤولي القصر تعاملوا بإخلاص مع ملاحظته. وقالت أيكو في وقت سابق إنها على دراية بتراجع عدد أفراد العائلة الإمبراطورية، لكنها لا تستطيع التعليق على النظام. وأضافت: “في ظل هذه الظروف، آمل أن أؤدي بإخلاص كل واجباتي الرسمية وأن أساعد الإمبراطور والإمبراطورة، بالإضافة إلى بقية أفراد العائلة الإمبراطورية”.
ويمثل النقص في الورثة الذكور مصدر قلق خطير للنظام الإمبراطوري، الذي يقول بعض المؤرخين إنه استمر لمدة 1500 عام. وهو أيضا انعكاس لمشكلة اليابان الأوسع المتمثلة في شيخوخة السكان وانكماشهم بوتيرة سريعة. وقال هيديا كوانيشي، أستاذ بجامعة ناجويا وخبير في شؤون الملكية: “أعتقد أن الوضع بالفعل حرج”. وأضاف أن مستقبل النظام الإمبراطوري يعتمد بالكامل على قدرة هيساهيتو وزوجته المحتملة على إنجاب وريث ذكر. وتساءل: “من سيرغب في الزواج منه؟ وإذا فعلت أي امرأة ذلك، فسيتعين عليها تحمل ضغط هائل لإنجاب وريث ذكر مع أداء واجبات رسمية بطاقة شبه خارقة”.
ـ البحث غير المثمر عن وريث ذكر في عام 2022، دعا فريق خبراء يغلب عليه التيار المحافظ الحكومة إلى الحفاظ على الخلافة عبر السلالة الذكورية، مع السماح للنساء من العائلة بالاحتفاظ بمكانتهن الإمبراطورية بعد الزواج ومواصلة أداء واجباتهن الرسمية. كما اقترح المحافظون تبني أحفاد ذكور من فروع ملكية قديمة منقرضة للحفاظ على السلالة الذكورية، وهو اقتراح ينظر إليه على أنه غير واقعي. وحثت لجنة الأمم المتحدة لحقوق المرأة في جنيف العام الماضي الحكومة اليابانية على السماح بوجود إمبراطورة، معتبرة أن عدم القيام بذلك يعرقل المساواة بين الجنسين في اليابان. وردت اليابان بأن التقرير “مؤسف” و”غير مناسب”، مؤكدة أن مسألة الخلافة الإمبراطورية “جزء أساسي من الهوية الوطنية”. وقال كوانيشي، الأستاذ الجامعي: “رغم أنه غير مذكور صراحة، فإن ما يقولونه يصب بوضوح في صالح تفوق الذكور. هذه هي رؤيتهم للمجتمع المثالي”.




