إلى سالم الطويل.. عندما يعلو صوت الحق

بقلم : حمود بن علي الطوقي
لم يكن صوت الحق يومًا خافتًا في عمان، لكنه هذه المرة ارتفع متحديًا خطاب الفتنة والكراهية، حين تجاوز المدعو سالم الطويل كل الخطوط الحمراء، مطلقًا افتراءات باطلة على المذهب الإباضي، ومسيئًا لسماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي – حفظه الله ورعاه. فما كان من أبناء عمان إلا أن وقفوا صفًا واحدًا، بمختلف مذاهبهم وانتماءاتهم، دفاعًا عن هويتهم ووحدتهم الوطنية، في مشهد يثبت أن النسيج العماني خط أحمر.
 وفي هذا السياق، نتوجه بالشكر والتقدير لحكومة دولة الكويت على موقفها المسؤول والسريع و المتمثل في فصل وتوقيف المدعو سالم الطويل من منصبه ، بعد تجاوزه وإساءته الصريحة لأبناء عمان ومذهبهم العريق. وهنا لا بد من التأكيد على أن العلاقات العمانية–الكويتية علاقات راسخة، تضرب بجذورها في التاريخ، ويحرص كل من جلالة السلطان هيثم بن طارق – حفظه الله – وسمو أمير دولة الكويت الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح على تنميتها والمحافظة عليها، انطلاقًا من مبادئ ثابتة ومتينة، تقوم على الاحترام المتبادل ووحدة المصير، وهو ما يجعل أي إساءة طارئة أمرًا مرفوضًا من الشعبين الشقيقين على حد سواء.
 وكان سالم الطويل قد أثار موجة استياء في سلطنة عُمان بعد هجومه المتكرر على المذهب الإباضي، متهماً إياه بأنه يحتوي على «ضلالات وأباطيل»، وواصفًا عقيدة الإباضية بأنها «عقيدة إلحادية»، كما شنّ هجوماً على سماحة الشيخ الورع احمد بن حمد الخليلي حفظه الله مفتي السلطنة واصفاً إياه بـ«الخارجي». وأدت خطاباته وكتاباته عبر موقعه الرسمي إلى موجة استياء واسعة في سلطنة عُمان، وطالب كُتّاب ومغردون عمانيون حكومة الكويت بمحاسبة الطويل حفاظاً على العلاقات بين شعوب الخليج ومنع الفتن الطائفية.
 وفي هذا الإطار، كتب الدكتور عبد الله سهر، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الكويت، في جريدة «الرأي» مقالاً قال فيه: «إن عمق العلاقات العُمانية – الكويتية، لا يقف عند حدود السياسة الرسمية، ولا ينحصر في أروقة الدبلوماسية، بل هو إرث تاريخي وشعبي ضارب بجذوره في أرض المحبة والوفاء». وأضاف أن «عُمان – سلطنة السلام ومرفأ الوئام – مضرب المثل في التعايش بين أطيافها، حيث المحبة مطرٌ دائم، والعطف ظلّ وارف، والتواصل نهر جارٍ بلا انقطاع ولا تصنّع». وتابع: «من تعرّض لهم بسوء، فقد أساء لنا جميعاً وحاد عن الحق بعيداً، لا انتسب للإنصاف وبلغ حد الإسفاف، وقوله كغبارٍ في مهبّ رياح على أحقاف».
 لقد شكّلت هذه الإساءة استهدافًا مباشرًا للنسيج الاجتماعي العماني، فجاء الرد العماني قويًا وحاسمًا، مطالبًا دولة الكويت وأميرها بمحاسبة الطويل على هذا الفكر الإقصائي والتكفيري. ولم يقتصر الغضب على أبناء عمان وحدهم، بل امتد ليشمل مسلمين من مختلف أنحاء العالم، بمن فيهم أبناء الكويت، الذين عبّروا عن استيائهم من هذه التصرفات الطائفية التي لا تمثل قيم الإسلام ولا أخلاقه.
 من المعروف أن الشعب العماني بطبعه شعب مسالم، هادئ، متسامح، يعيش في تناغم بين مكوناته المذهبية والفكرية، لكن إذا مُسّت وحدته أو تعرض نسيجه الاجتماعي للاستهداف، فإنه يتحول إلى صف واحد وسيوف مشرعة للدفاع عن كرامته ووطنه.
 طيء إن المدعو سالم الطويل، في كثير من مداخلاته، اعتاد الهجوم على أهل عمان وتكفيرهم بحجة انتمائهم للمذهب الإباضي، وهو مذهب أصيل من مذاهب أهل السنة والجماعة، عُرف عبر التاريخ بأنه مذهب أهل الحق والاستقامة. ولا ندري كيف يستساغ في هذا العصر، ومع كل التحديات التي تواجه الأمة، أن يظهر خطاب كهذا يفرق ولا يوحد.
 اليوم، بينما تتعرض غزة – هذه البقعة الطاهرة – للإبادة على أيدي الكيان الصهيوني الغاصب، في مشاهد من القتل والتهجير والتجويع ومنع المساعدات، كان الأولى أن تتوحد أصوات المسلمين نصرةً للمظلومين، بدلاً من أن تتعالى بعض الأصوات التي تزرع الانشقاق وتدعو إلى الفتنة، بل وتتبنى خطابًا يبرر الاستسلام، في وقت تقف فيه المقاومة شامخة في وجه العدوان.
 رسالتي إلى علماء الأمة ومفكريها: اتحدوا تحت راية الإسلام، وواجهوا العدو الحقيقي المتمثل في الكيان الصهيوني، وابتعدوا عن كل ما يفرق الصف المسلم. إن الفرصة أمامكم اليوم لتوحيد الكلمة، وترك خطاب المراهقة الفكرية الذي يضر ولا ينفع، ويحرف البوصلة عن معركة الأمة الكبرى.
 واختم مقالي بالتذكير لهذه المقولة الخالدة لجلالة السلطان قابوس بن سعيد – طيب الله ثراه –: عندما قال :
 “إنَّ التطرّف مهما كانت مسمياته، والتعصب مهما كانت أشكاله، والتحزب مهما كانت دوافعه ومنطلقاته، نباتاتٌ كريهة سامة ترفضها التربة العُمانية الطيبة التي لا تنبت إلا طيبا، ولا تقبل أبدا أن تُلقى فيها بذور الفرقة والشقاق”
 
  
 



