أخبار محلية

الهوية الوطنية ركن أساسي في نهضة الشعوب .. ما هو دور المؤسسات التعليمية في تعزيزها؟

وهج الخليج _مسقط

تقوم المؤسسات التعليمية في سلطنة عُمان بدور مهم في تعزيز الهوية الوطنية من خلال ما تقدّمه من برامج ومناهج في مختلف المراحل التعليمية، لدعم قيم التمسك بمفهوم المواطنة؛ وذلك تعزيزًا للانتماء إلى الوطن.

وفي ظل ما تتعرض له المجتمعات عامةً في التوجهات المعرفية والفكرية، من خلال تنوع القضايا والتحولات الاجتماعية تأتي أهمية المؤسسات التعليمية التي تدعم التمسك بالهوية الوطنية لدى الطلبة، لإيجاد جيل واع يجمع بين الموروث والحداثة.

وفي هذا السياق يقول الدكتور أحمد بن علي الشحري مساعد رئيس جامعة التقنية والعلوم التطبيقية بصلالة “تقوم الجامعات بدور ملموس في تعزيز جوانب الهوية الوطنية لطلابها واعتزازهم بمورثهم وتاريخهم، وذلك من خلال عدة مجالات من بينها طرح البرامج الدراسية التي تتناول التاريخ العُماني، ومنجزات النهضة العُمانية، والخطط المستقبلية لرؤية عُمان ٢٠٤٠، إلى جانب تنظيم الفعاليات الثقافية والاجتماعية التي تُعزز هذا الجانب، بالإضافة إلى الخطط السنوية الثابتة لتنظيم الأنشطة والاحتفالات الوطنية”.

وأضاف أنَّ جامعة التقنية والعلوم التطبيقية بصلالة اعتمدت المتطلبات الدراسية التي تتعلق بالتاريخ والثقافة الوطنية مواد إلزامية، إلى جانب إقامة الأنشطة الطلابية الوطنية التي من بينها المسابقات والندوات التي ترفع الوعي بالقضايا الوطنية وتشجع على المشاركة المجتمعية، بالإضافة إلى التأكيد على العمل التطوعي والخدمة المجتمعية من خلال دعم مشاركة الطلاب في المشروعات التطوعية التي يكون لها دور ملموس في خدمة المجتمع ويعزّز الانتماء الوطني.

وأكّد على أنّ تنظيم المؤتمرات والندوات والملتقيات العلمية يُعزّز من مسار الهوية الوطنية من خلال محاورها التي تبرز النشاط العلمي والبحثي للكوادر الوطنية العُمانية، ودورها في دعم خطط سلطنة عُمان الطموحة في التنوع الاقتصادي وتنمية الموارد البشرية.

ووضّح الدكتور أحمد بن علي الشحري مساعد رئيس جامعة التقنية والعلوم التطبيقية بصلالة أنَّ الجامعة ومن خلال منصات التواصل والإعلام تركز على المناسبات الوطنية والفعاليات الداعمة لها؛ وذلك بهدف تعزيز الهوية الوطنية لدى الطلبة في الجامعة.

وتُمثل الهوية الوطنية أهمية قصوى في رفعة الأمم وتقدمها وازدهارها، وبدونها يُفقد وجودها واستقرارها، إذ يستمد الأفراد انتماءهم إلى جملة من الرموز والمعايير التي تجعلهم يرتبطون ببعضهم البعض، وفي هذا الصدد يقول الدكتور أحمد بن عبد الرحمن بالخير أستاذ الدراسات اللغوية المشارك بجامعة ظفار “إنَّ ما يشهده العالم الآن من تحولات كبرى طالت كل مجالات الحياة الفكرية والمادية والبيئية” يعني أنَّ عالمًا جديدًا يجري صنعه، وتلعب التقنية والعلم الحديث الدور الأخطر فيه، نظرًا للتحولات التي لامست البعد النفسي والفكري للإنسان، مما يعني أنَّ هناك ثقافة جديدة يجري إنتاجها

وأضاف أنَّه في ظل ما تتعرض له المجتمعات عامة من أزمة متعددة الأبعاد في سياق التغيرات الناتجة عن التحولات الاجتماعية والمعرفية التي دعمت الرفاهية وتوافر البدائل، وتنوع طبيعة القضايا الفكرية حول نوع الإنسان الذي يستطيع مواكبة المتطلبات المتجددة يبرز دور المدرسة كمؤسسة اجتماعية تسعى إلى ترسيخ الهوية الوطنية، إذ تقوم بدور كبير ومهم في تنمية قيم الهوية وأركانها من خلال المناهج التربوية التي تُعد عنصرًا أساسيًّا في تشكيل هوية المجتمع، إلى جانب دورها في تعميق الانتماء والولاء لدى الطلبة والعمل على تأصيله لديهم من خلال غرس القيم الوطنية ومعتقدات المجتمع، وربطهم بلغتهم ودينهم وتاريخهم وحضارتهم.

وأردف أنَّ هناك العديد من المؤسسات التي تُسهم في بناء مفهوم الهوية الوطنية، وتنمية الشعور به لدى الفرد ومنها الأسرة والمؤسسات الدينية والرفاق ومجموعة العمل والمدرسة التي تنفرد عن غيرها بالمسؤولية الكبيرة في تنمية هذا المفهوم، وتشكيل شخصية المواطن والتزاماته، وتنجز المدارس تلك المسؤولية من خلال المناهج الدراسية في شتى المراحل التعليمية.

ووضّح أنَّ المناهج التربوية تمثل الإطار العام للتعليم الذي يتم بموجبه تأهيل الدارسين بالقيم والأنماط السلوكية والمهارات والمعارف اللازمة لحياة الإنسان كمواطن يمتلك شخصية فعالة في مجتمعه، إذ تُعد المناهج التربوية حلقة وصل بين التربية كفلسفة وأطر نظرية وفكرية تبنى على أسس قيمية واجتماعية وثقافية ونفسية ومعرفية، وبين التعليم بوصفه الجانب التطبيقي الذي من خلاله يمكن أن يتحقق ما يسمى بالأهداف التربوية التي تعرف على أنَّها توجيه الناشئة نحو السلوك المرغوب فيه؛ لتحقيق تكيف الفرد مع ذاته ومحيطه وتكوين ما يسمى بالمواطنة الصالحة.

وأشار إلى أنَّ المؤسسات التربوية الأولية – المدارس – تُعد حجر الأساس لحياة الإنسان كلها، لهذا فقد اكتسبت أهمية عظيمة في تطوير الأفراد وتأهيلهم، لافتًا إلى أنَّ المدرسة تُسهم في عملية التنشئة الاجتماعية والتطبيع الاجتماعي وإعداد الشباب للمستقبل وإكسابهم معايير وقيم مجتمعهم، وتعمل على توثيق الصلة بين المجتمع والمدرسة من خلال توجيه الطلبة إلى التأثير في المجتمع، وتمكينهم من المساهمة في الخدمة الاجتماعية، إلى جانب العمل على نقل التراث الاجتماعي والاحتفاظ به وتطويره وتبسيطه.

وأكّد الدكتور أحمد بن عبد الرحمن بالخير أستاذ الدراسات اللغوية المشارك بجامعة ظفار أنَّ التعليم هو القاعدة الصلبة التي تبني الدول عليها مشروعاتها الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية، وتحقق من خلاله مستقبلها الذي تتطلع إليه، إذ يتم من خلاله تنمية مكونات الهوية الوطنية وغرس القيم المعرفية والخلقية في مؤسساته التربوية، مُشيرًا إلى أنَّ المؤسسات التعليمية هي المكان الأهم في تشكيل الهوية الوطنية وصناعتها.

ووضّح أنَّ للوعي بالهوية الوطنية والالتزام بها آثارًا عظيمة تنعكس على الفرد والمجتمع والوطن بشكل عام، وتتمثل في قوة النسيج الاجتماعي، إلى جانب النهضة في العلم والمعرفة، والقوة في الاقتصاد، والاستغلال الجيد للعقول المبدعة، والتطوير الدائم والبناء للوطن، وهيبة للوطن والمواطن إذا اعتز الكل بهويته الوطنية، فأحسن فهمها، وأجاد لغة التعبير عنها.

إنَّ الهوية الوطنية في سلطنة عُمان بُنيت على مرتكزات أساسية هي الدين الإسلامي واللغة العربية والتاريخ والجغرافيا، ويقول الدكتور عامر بن أزاد الكثيري محاضر أول لغة عربية بجامعة التقنية والعلوم التطبيقية بصلالة “إنَّ كل مرتكز من هذه المرتكزات ينبغي أن يكون حاضرًا في وعي الطالب وإدراكه، وهذا ما تعمل المؤسسات التعليمية على تعزيزه خلال سنوات الدراسة.

وأضاف على الجامعات أن تضطلع بدور كبير في مواجهة تحديات العولمة وإبراز الخصوصية الثقافية الكبيرة التي تتمتع بها سلطنة عُمان، من خلال إجراء الدراسات النظرية والتجريبية على المجتمع وإعداد دراسات إحصائية دقيقة من أجل المساعدة في اتخاذ القرارات الصحيحة من الجهات المعنية بوضع التشريعات.

وأكّد على ضرورة الاهتمام باللغة العربية بشكل واسع في الجامعات، إذ تتمثل قوة الشعوب الناعمة في تمسكها بلغاتها والاعتزاز بها، لافتًا إلى أنَّه يحق لنا التمسك بالعربية والاعتزاز بها، فهي لغة القرآن ولغة التدوين والحضارة ويجب أن تكون لغة العلم والحياة أيضًا.

وحول دور الهوية الوطنية في الحفاظ على الإرث الحضاري ومقومات الهوية العُمانية أشار الدكتور عامر بن أزاد الكثيري محاضر أول لغة عربية بجامعة التقنية والعلوم التطبيقية بصلالة إلى أنَّ سلطنة عُمان غنية بموروثها الثقافي واللغوي والتاريخي والحضاري، موضحًا أنَّ عملية توثيق عناصر الهوية يجب أن يتبع مسارين: يتمثل الأول في استخراج المدونات التاريخية التي تتحدث عن مكانة سلطنة عُمان التاريخية واللغوية والحضارية وشواهد ذلك كثيرة، والمسار الثاني يجب أن يتم بشكل منهجي واضح وسليم في توثيق جميع مفردات الهوية العُمانية من خلال الاهتمام بالإرث الحضاري والتراث الثقافي في شِقّيه المادي وغير المادي، مُشيرًا إلى أنَّ سلطنة عُمان غنية جدًّا بالمفردات الثقافية، إذ وثقت 14 مفردة في التراث غير المادي والمجال مفتوح للإضافة ولكنَّه يحتاج إلى منهجية علمية دقيقة للكشف عن هذه المفردات.

ووضّح أنَّ الهوية عندما تُدرّس بشكل واضح وتحدد معالمها ببناء علمي دقيق فإنَّ ذلك يؤدي إلى زيادة التماسك والتواصل بين أبناء المجتمع، لافتًا إلى أنَّه من خلال البحث في التاريخ العُماني المشترك كُشف عن تواصل فعّال منذ القدم بين مختلف أفراد المجتمع الموزعين في جميع محافظات سلطنة عُمان، إذ أثبتت بعض الأبحاث في اللهجات العُمانية بأنَّ هناك ظواهر لغوية تاريخية مشتركة بين أبناء محافظات ظفار وجنوب وشمال الشرقية والداخلية والظاهرة والبريمي ومسندم، مما يعزّز التاريخ المشترك والتواصل القديم بين أبناء سلطنة عُمان، إلى جانب عددٍ من الأبحاث العلمية اللغوية التي أثبتت أيضًا أنَّ العلاقة التي تربط بين الحضر والبدو في سلطنة عُمان علاقة متماسكة جدًّا لا تجد لها نظيرًا في كل المجتمعات العربية .

وأشار الدكتور عامر بن أزاد الكثيري محاضر أول لغة عربية بجامعة التقنية والعلوم التطبيقية بصلالة إلى أنَّ من أهم العوامل التي تؤدي إلى استدامة الهوية الوطنية هي الوعي التام بمرتكزات الهوية ودورها في نهضة البلد، وارتباط العُماني بأبناء دينه وثقافته ولغته، إلى جانب ربط الجوانب الأصيلة من الهوية بالمشاركة المجتمعية من خلال استثمار الهوية الثقافية مثلًا في الجانب السياحي الأمر الذي تعود فوائده على أبناء المجتمع مما يجعلهم يشعرون بقيمة ثقافتهم وأهمية المحافظة عليها، بالإضافة إلى ربط الهوية بنتائج البحث العلمي من أجل إغناء عناصرها بالتقنيات والذكاء الاصطناعي، الأمر الذي يُسهل نشرها وتلقيها من جمهور الشباب.

إنَّ التربية على المواطنة تشهد عناية فائقة في سلطنة عُمان، وذلك من خلال الاهتمام الكبير التي توليه وزارة التربية والتعليم في هذا المجال، وتضمين المناهج الدراسية المعارف والمهارات المتعلقة بالمواطنة في مختلف المراحل الصفية.

وقالت الدكتورة ميزون بنت بخيت الشحري المكلفة بأعمال المدير العام بالمديرية العامة للتربية والتعليم بمحافظة ظفار رئيسة فريق عمل التربية على المواطنة “يعمل الفريق على ترجمة الأهداف والمجالات والأبعاد الواردة في وثيقة التربية على المواطنة، وربطها بجميع البرامج والفعاليات التربوية المختلفة بمدارس المحافظة؛ وذلك لإبراز وتعزيز دور المدرسة التربوي والريادي بصفتها أهم مؤسسة داعمة لتربية النشء، إلى جانب التعاون مع المدارس بمختلف المراحل التعليمية في اقتراح وتنفيذ البرامج والأنشطة الداعمة للطلبة لتعزيز الهوية الوطنية والشعور بالانتماء وغرس حب الوطن والولاء للسُّلطان في نفوس المتعلمين وتقدير رموز الوطن والمحافظة على منجزاته”.

وأضافت أنَّ وزارة التربية والتعليم حددت مجموعة من المجالات وفق ما تضمنته الوثيقة المتمثلة في المجال المعرفي والمهاري والوجداني، كما اشتملت الوثيقة كذلك على مجموعة من الأبعاد من بينها البعد الديني والوطني والقانوني والتقني، وتُراعى هذه الأبعاد أثناء إعداد الخطط الاستراتيجية أو تنفيذ المشروعات والدراسات التربوية التي تخدم وتستهدف الطلبة.

ووضّحت أنَّ المديرية العامة للتربية والتعليم بمحافظة ظفار ممثلة بفريق عمل التربية على المواطنة تقوم بشكل سنوي بإعداد وتنفيذ خطط عمل وبرامج مختلفة منبثقة من وثيقة التربية للتربية على المواطنة التي أُعدت من قبل وزارة التربية والتعليم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى