أخبار محلية

سلطنة عمان ومصر .. آفاق أرحب تستند على 3500 عام من العلاقات

وهج الخليج-مسقط

تعد العلاقات بين سلطنة عمان ومصر نموذجية، لما لها من بعد حضاري يمتد لأكثر من 3500 عام، مايدلل على حضارة البلدين وعلاقتهما الضاربة في جذور التاريخ.
وارجعت مصادر نشأة هذه العلاقات منذ بداية جلب اللبان من “بلاد بونت” قبل ما يقرب 3500 ق.م خلال مرحلة الازدهار الاقتصادي الذي عاشته مصر الفرعونية في عهد الملكة حتشبسوت (1505 ـ 1483 ق.م)، حيث أمرت بتكوين بعثات بحرية استكشافية، كانت من بينها رحلة الملكة حتشبسوت إلى بلاد بونت ـ كما ذكرت د. سميرة الساحلي في مقال “رحلة حتشبسوت إلى بلاد بونت 1469ق.م” الذي ورد بمجلة القلعةعام 2018م. وهو ما يعد توثيقا لأول تبادل تجاري بين البلدين، اذ يتعبر اللبان العُماني أول المنتجات المصدرة لمصر لتأدية الطقوس الدينية في المعابد الفرعونية.
ليس هذا فقط بل يستذكر التاريخ موقف السيد سلطان بن أحمد بن سعيد حين دعته فرنسا لإقامة تحالف فرنسي عُماني، حين بدأت توسعها في احتلال الدول العربية، حيث نبه السيد سلطان بن سعيد المصريين بقدوم جيش نابليون الى مصر في رسالة جاء بها “أكتب إليكم هذه الرسالة لأعرفكم بشيء لعلكم قد عرفتموه، ألا وهو وصول الجيش الفرنسي إلى مصر، ولما كنتم دوما صديقا لنا فإنني أؤكد لكم رغبتي في حماية جميع السفن العمانية، وإنها ستتمتع بحمايتنا إذا وصلت إلى السويس”.
لقد تعمقت العلاقات المصرية العمانية وظلت نموذجية ومثالية عبر الأزمنة، ولعل حرب أكتوبر 1973م خير شاهد، حينما أعلنت سلطنة عمان وقوفها إلى جانب مصر وسوريا في حربهما ضد إسرائيل، عبر إرسال بعثتين طبيتين على خط جبهة القتال والتي مكثت نحو 22 يوما في وجه الاعتداءات الإسرائيلية. أيضا رفض سلطنة عمان قطع العلاقات مع القاهرة بعد توقيع إتفاقية كامب ديفيد عام 1979م، ونستذكر حينها مقولة جلالة السلطان الراحل قابوس بن سعيد ـ طيب الله ثراه ـ “مصر لا تُقاطع ولا تُعزل ولا تموت بسبب موقفها”.
وزادت أواصر العلاقات العمانية المصرية منذ تولي الرئيس عبدالفتاح السيسي مقاليد الحكم، حيث التشاور المستمر بين البلدين الشقيقين في القضايا الثنائية ومختلف القضايا الإقليمية والدولية والتنسيق المستمر في كافة القضايا السياسية المطروحة بالمحافل الدولية، حيث تمثل العلاقات الثنائية بين محور ارتكاز مهم على الساحة السياسة العربية، اذ تتمتع سلطنة عمان ومصر بالكثير من الثوابت المشتركة، التي تتجسد في سياسة عدم التدخل في شئون الدول الأخرى، والعمل على مساعدة الدول العربية ومعالجة العديد من القضايا الإقليمية دعمًا للسِّلم والأمن الدوليين والوصول إلى الهدوء والاستقرار، حيث تتوافق البلدين الشقيقين في رؤيتها الإقليمية والعربية والأدوات السياسية لحل مختلف القضايا وعلى رأسها الحوار وتغليب المصلحة العامة.
وتستمر مسيرة العلاقات الطيبة في توهجها، انطلاقًا من حرص قيادتي البلدين الشقيقن على كلّ ما من شأنه تعزيز العلاقات وتطويرها نحو آفاق أرحب، حيث تثمر الجهود المبذولة من قِبل اللجنة العُمانية المصرية المشتركة خلال الفترة الماضية، التوقيع على عددٍ من مذكرات التفاهم وبرامج التعاون الثُنائية في كافة المجالات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية التي من شأنها فتح آفاق نوعية جديدة للتعاون بين البلدين الشقيقين.
ولعل الاقتصاد هو أحد المحددات الرئيسة للعلاقات الاستراتيجية بين سلطنة عمان ومصر، حيث تشهد العلاقات الاقتصادية زخما كبيرا في ظل ايمان القيادة السياسية للبلدين بأهمية تنمية وتوسيع حجم العلاقات المشتركة خلال المرحلة المقبلة، حيث جاءت دعوة معالي الدكتور محمد معيط وزير المالية المصري المستثمرين والشركات العمانية الراغبة في توسيع استثماراتها في مصر، إلى الاستفادة من الإجراءات التي اتخذتها الحكومة المصرية المحفزة للإنتاج والتصدير في مختلف المجالات بما في ذلك” الرخصة الذهبية”، و”وثيقة سياسة ملكية الدولة”، و”الطروحات الحكومية”، مؤكدا خلال لقاءه معالي سُلطان بن سالم الحبسي وزير المالية مطلع هذا الشهر على هامش الاجتماعات السنوية لمجلس محافظي مجموعة البنك الإسلامي في المملكة العربية السعودية، أن هناك توجيهات قوية لتشجيع الاستثمار العماني بمصر في المرحلة الحالية، مضيفا أن هناك فرص استثمارية واعدة جدًا خاصة مع البنية التحتية القوية والمتطورة التي استثمرت فيها مصر بقوة خلال الستة سنوات الماضية.
واتفق الجانبان على توقيع اتفاقية اﺗﻔﺎﻗﻴﺔ ﺗﺠﻨﺐ اﻻزدواج اﻟﻀﺮﻳﺒﻲ، بما يسهم في تعزيز العلاقات الاقتصادية والتعاون الضريبي بين البلدين، في ظل الحرص الثنائي على الاستغلال الأمثل للفرص التنموية المتاحة، وتنمية الاستثمارات المشترك. كما اتفق الجانبان على ضرورة تعميق التعاون الثنائي في السياسات المالية والحماية الاجتماعية، لتحقيق المستهدفات الاقتصادية والتنموية والحد من تداعيات الصدمات الاقتصادية الخارجية خاصة على الفئات الأكثر احتياجًا في ظل هذه الأزمة الاقتصادية الدولية التي يشهدها الاقتصاد العالمي، في أعقاب التداعيات المركبة لجائحة كورونا ثم الحرب في أوروبا.
وتسعى قيادتي البلدين على تنمية وتوسيع حجم العلاقات والمصالح الاقتصادية الثنائية بين البلدين خلال المرحلة المقبلة ، ورفع سقف التبادل التجاري من خلال تنويع الفرص الاستثمارية.
وتشير الإحصائيات إلى أن حجم التبادل التجاري بين سلطنة عُمان وجمهورية مصر العربية شهد ارتفاعًا ملحوظًا، حيث سجّل بنهاية عام 2021م نحو 8ر205 مليون ريال عُماني أي ما يعادل (4ر535 مليون دولار أمريكي) مقارنةً بـ 7ر97 مليون ريال عُماني (3ر254 مليون دولار أمريكي). وبلغ عدد الشركات المصرية المستثمرة في سلطنة عُمان في عام 2020 نحو 744 شركة بإجمالي رأسمال مستثمر بلغ أكثر من مليار و856 مليون دولار أمريكي.
وتتمثل أهم السلع المُصدَّرة من سلطنة عُمان إلى جمهورية مصر العربية في منتجات النفط والغاز وخامات الحديد ومنتجات البولي بروبيلين وبولي إيثيلين والقطاعات السمكية وغيرها، فيما تتصدر السلع المستوردة من مصر منتجات الخضروات والفواكه والمواد الغذائية والطبية.
كما شهدت الحركة الجوية بين سلطنة عُمان وجمهورية مصر العربية نموًّا مستمرًا سواء في أعداد الرحلات أو شركات الطيران الجديدة التي سيَّرت رحلاتها بين مختلف مطارات البلدين خلال الفترة الماضية نظرًا للطلب المتزايد للسفر بين البلدين للسياحة والعمل. وقد بلغ معدل الرحلات الجوية الحالية بين البلدين حوالي 17 رحلة أسبوعية، تتمثل في عدة رحلات أسبوعية بين مسقط والقاهرة يسيّرها الطيران العُماني ، وأخرى عبر الرمز المشترك مع الخطوط الجوية المصرية، و3 رحلات أسبوعية تسيّرها “العربية للطيران مصر”، فيما يُسيّر طيران السلام رحلتين أسبوعيًّا بين مسقط والإسكندرية.
وفي القطاع اللوجستي ترتبط الموانئ العُمانية بخطوط ملاحية مباشرة مع الموانئ المصرية بمعدل 4 رحلات أسبوعية بين ميناء صلالة وميناءي بورسعيد ودمياط، مما يُسهم في تعزيز التصدير والاستيراد المباشر بين البلدين الشقيقين للسلع والبضائع وتوفير أفضل الخيارات للتجّار والمستوردين من بلد المنشأ والاستفادة من خطوط الشحن الدولية المباشرة إلى كلا البلدين.
إن العلاقات العمانية المصرية متميزة، ستستمر وتتوطد وترتقي ـ بمشيئة الله وعونه ـ في ظل الرؤى الحكيمة للقيادتين، تعززها الزيارات المتبادلة بين قادة ومسؤولي البلدين ـ حفظ الله سلطنة عمان وجمهورية مصر العربية وحقق للشعبين الشقيقين المزيد من التطور والرقي والتقدم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى