أخبار محلية

الأثار المغمورة بالمياه في سلطنة عُمان شاهد على الدور العماني كملتقى للحضارات

وهج الخليج _ مسقط

يعد التراث الثقافي المغمور بالمياه الذي تزخر به سلطنة عُمان شاهدًا على الدور العُماني كملتقى للحضارات منذ بدء التاريخ.

وتتمثل هذه الآثار في المستوطنات البشرية، والمدن الساحلية والموانئ والسفن الغارفة في المياه الإقليمية العُمانية، تحمل مقتنيات بدلالات ثقافية وعلمية واقتصادية وتاريخية؛ الأمر الذي حدا بوزارة التراث والسياحة لإنشاء دائرة الآثار المغمورة بالمياه كأول وحدة مختصة في مجال الآثار المغمورة بالمياه في منطقة الخليج العربي.

 

وقال أيوب بن نغموش البوسعيدي مدير دائرة الآثار المغمورة بالمياه بوزارة التراث والسياحة: إن المواقع الأثرية الواقعة تحت سطح الماء تعد مصدرًا مهمًّا للمعلومات التاريخية، كما تحتوي على آثار للوجود البشري، وأدت العوامل البيئية إلى وجود اختلافات بينها وبين تلك الموجودة في المواقع الأثرية على الأرض، وفي كثير من الأحيان لا تزال هذه المواقع تحتوي على المواد التي فُقدت على مواقع مماثلة من الأراضي الجافة نظرًا لعدم وجود الأوكسجين.

 

وأضاف أن علم الآثار يستهدف دراسة الثقافات البشرية من خلال تحليل الآثار التي خلفتها عبر التاريخ؛ بهدف فهم أصول الحضارات وتطورها، وانطلاقًا من كون علم الآثار المغمورة بالمياه تخصصًا علميًّا يتناول دراسة المواقع والأشياء التي صنعها الإنسان والبقايا البشرية والمناظر الطبيعية التي غمرتها المياه؛ فإنه ينبغي وضعه في الإطار الأوسع لعلم الآثار البحري الذي يدرس علاقات البشر بالمحيطات والبحيرات والأنهار، ويكمله علم الملاحة الذي يدرس بناء السفن واستخدامها والطرق الملاحية.

 

ووضّح أن موقع سلطنة عُمان شكّل ملتقى لمختلف الحضارات منذ فترات مبكرة لما قبل التاريخ، بينما شكلت الموانئ العُمانية مُلتقى لتلك للحضارات؛ وهو ما ترك العديد من الشواهد أهمها عدد كبير من السفن الغارقة في المياه الإقليمية العُمانية أخذت معها مقتنيات لها دلالات ثقافية وعلمية واقتصادية وتاريخية، إلى جانب عدد من المستوطنات البشرية الساحلية الغارقة بفعل العوامل المناخية والجغرافية والديموغرافية؛ ما استلزم تنفيذ برنامج طموح للعناية بالتراث المغمور بالمياه لتحقيق هذه الأهداف الأساسية.

وقال مدير دائرة الآثار المغمورة بالمياه بوزارة التراث والسياحة: إن الوزارة قامت بإنشاء برنامج علمي لدراسة الآثار المغمورة بالمياه في سلطنة عُمان عام 2012، لأهمية أخذ المبادرة للعمل في مجال تطوير العناية بالآثار البحرية وإدارة التراث الثقافي المغمور بالمياه والمحافظة عليه على مستوى المنطقة، أما في عام 2017 فقامت الوزارة بتطوير هذا البرنامج ليصبح دائرة الآثار الغارقة متخصصة بالآثار المغمورة بالمياه.

وذكر أن من الأهداف الرئيسة للدائرة معرفة الموارد والعناصر المكونة لهذا التراث بعد حصرها وتحديد طبيعتها، ثم حمايتها من مختلف المخاطر، مثل: العوامل الطبيعية، وتأثير خُطط التنمية، والاتجار غير المشروع، وتوظيفها في تنمية السياحة البحرية.

 

كما أن وضع سلطنة عُمان يأتي في موقع ريادي إقليميًّا يتفق مع تاريخها وتراثها البحري من حيث إدارة تلك الموارد والتوظيف والبحث العلمي وإحياء التراث البحري وتقاليده من الاندثار، وبناء قدرات وطنية مؤهلة لإدارة تلك الموارد.

 

وأشار إلى أن الدائرة تقوم على الخروج بالتشريعات اللازمة للحماية والإدارة والتوظيف، والقيام بعمليات المسح والتنقيب والترميم وحفظ وتوثيق المواقع الأثرية، وتحليل النتائج وعرضها على المجتمع المحلي والدولي، وإقامة المحاضرات والمعارض عن المكتشفات الأثرية، وإطلاع المجتمع على أهم المكتشفات الأثرية.

 

ولتحقيق هذه الأهداف يقول أيوب بن نغموش البوسعيدي إن الدائرة تقوم على إضفاء طابع مهني على الأنشطة المضطلع بها في مجال الآثار المغمورة بالمياه في سلطنة عمان والدول الأخرى وجميع الجهات والمؤسسات المتخصصة في هذا المجال بالإضافة إلى تحسين البحث العلمي والتخصصي في مجال المواقع الأثرية المغمورة بالمياه وتحليل النتائج وعرضها على المجتمع المحلي والدولي.

 

وأضاف أن دائرة الآثار المغمورة بالمياه بوزارة التراث والسياحة تقوم أيضًا بالتعاون مع عدد من الجهات بتأمين صون المكتشفات الأثرية المغمورة بالمياه والقيام بعمليات المسح والتنقيب والترميم وحفظ وتوثيق المواقع الأثرية بما يشمل التدريب على أحدث الطرق المتبعة في عمليات الترميم، وعمليات الحفظ، وعمليات التوثيق، وإقامة المحاضرات والمعارض عن المكتشفات الأثرية واطلاع المجتمع على أهم المكتشفات الأثرية.

 

وذكر البوسعيدي إنه في هذا الإطار تم إجراء العديد من البحوث في علم الآثار المغمورة بالمياه وفق 3 محاور تشمل المسح والتنقيب والترميم والحفظ، ففي عملية المسح الأثري تحت الماء يتم استخدام عدة تقنيات وأكثرها فاعلية تلك التي تستخدم نظام ملاحة متطور بواسطة تحديد المواقع بالأقمار الاصطناعية GPS، وسفن خاصة مجهزة بأجهزة المسح والاستشعار عن بعد، ومعدات الجيوفيزياء البحرية تساعد على تحديد مواقع حطام السفن أو الموانئ الغارقة تحت الماء.

 

وتستخدم أيضًا آلات التصوير الخاصة، وللتحقق من نوعية الحطام المكتشف تكون بالغوص مباشرة أو باستخدام الغواصات الخاصة للأعماق الكبيرة، وينبغي أن تؤخذ في الحسبان ظروف الغوص الصعبة مثل وجود تيارات الماء وعدم تجاوز الوقت المحدد لبقاء الغواصين تحت الماء.

 

الجدير بالذكر أن أعمال التنقيب تتم من خلال تقسيم الموقع إلى مربعات، ثم ينظف موضع البقايا الأثرية من الترسبات والأتربة ويستخدم في عملية الشفط أنبوب هوائي يضغط أو يشفط الحجارة والرمل، وبعد ذلك ترقم اللقى الأثرية باستخدام لصائق وتسجل هذه اللقى على مخطط خاص.

 

وتجمع كل البيانات والصور والرسوم وتوثق على أجهزة الحاسوب لمعالجتها والتعامل فيما بعد مع موقع البقايا الأثرية وفق المعطيات التي تم استنتاجها، وعند انتشال المواد الأثرية تستعمل الأكياس الهوائية لرفع المواد الثقيلة، في حين توضع المواد الخفيفة في حاويات مغلقة قبل رفعها.

 

وبعد استخراج القطع الأثرية تأتي أعمال الترميم والحفظ خاصة القطع التي تحوي المعادن والزجاج والتي تحتاج إلى استبدال المياه المالحة واستقرارها بعد امتصاص الملح أو ترشيح المعادن حتى يتمكن من عملية إزالة المياه المالحة والمحافظة عليها ويجب تجفيفها بعناية لأن هذه القطع الأثرية كانت رطبة لسنوات عديدة يجب أولا الحفاظ عليها لمنع الاضمحلال.

 

كما يستعمل التصوير بالأشعة للقطع الأثرية للتعرف على هيكلها الداخلي ومدى التشوه الحاصل فيها، وبسبب الحالة الخاصة للآثار الغارقة تحت الماء بكل أنواعها التي لها طرق خاصة معها من ناحية الترميم والصيانة والحفظ.

 

ويعرّف التراث الثقافي المغمور بالمياه بأنه جميع آثار الوجود الإنساني التي تتسم بطابع ثقافي أو تاريخي أو أثري والتي ظلت مغمورة بالمياه جزئيا أو كليا بصورة دورية أو متواصلة لمدة مائة عام على الأقل، بالإضافة إلى المواقع والهياكل والمباني والمصنوعات والرفات البشرية مع سياقها الأثري والطبيعي، والسفن والطائرات وغيرها من وسائل النقل أو أي جزء منها وحمولتها أو أي من محتوياتها مع سياقها الأثري والطبيعي، والمواد التي تنتمي إلى عصر ما قبل التاريخ.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى