غير مصنف

من ضحية الى جلاد 2

بقلم: إبراهيم عطا

– اول مرة تم اعتقالي كنت مع ابن عمي وصديقي محمد وكان ذلك في منطقة عبرا المجاورة التي لجأنا اليها بعد ان اشتد القصف على المخيم وبعد سقوط قذائف على مستشفى صيدا الحكومي الذي كنا نختبىء به مع مئات العائلات الفلسطينية واللبنانية، وهناك في عبرا طلبوا عبر مكبرات الصوت من جميع الرجال يين السادسة عشرة والستين عاما التجمع في ساحة مدرسة الراهبات، مع التهديد والوعيد لكل من يخالف بتعريض حياته للخطر، وقد توجهنا انا ومحمد الى هناك ولم نكن نتصور ان يتم اعتقالنا والتعامل معنا كاسرى حرب…
توقفت للحظة وكنت على وشك ان اضحك لاني تذكرت ما حدث في المدرسة بعد ان وزعونا على مجموعات كبيرة واجلسونا على ارض الساحة وامرونا بخفض رؤوسنا الى الارض، وكنت قد سمعت بعض الجنود الاسرائيليين يتحدثون مع الجندي الذي يقوم بالحراسة على مجموعتنا وفهمت منهم ان اسمه دوري، فقلت لمحمد ساريك كم هم جبناء الجنود الاسرائيليين ، سالني كيف؟، فقمت بمناداة الجندي بصوت عالي “دودو، دودو” فصار يتحرك يمينا ويسارا وهو مكانه ويصرخ علي بصوت مرتعش بان اسكت مصوبا سلاحه باتجاهنا بينما ضحكنا انا ومحمد على وقع طقطقة رشاشه، ولكني تماسكت واكملت ولم اقص عليه ذلك:
– ومن هناك نقلونا بشاحنات عسكرية الى معمل التفاح المعروف بمعمل الصفاء والموجود بمنطقة الغازية جنوب مدينة صيدا، وقد مكثنا فيه يوم واحد وفي اليوم التالي…
بشكل مفاجيء قاطعني ليسالني لماذا كنا في المستشفى وعما حدث لنا هناك، وكانه يطلب مني تفاصيل ما وقع، ففعلت:
– خرجنا من بيتنا بعد ان تسارعت الاحداث وكثرت الاخبار عن سيطرة الجيش الاسرائيلي على مناطق قريبة منا بعد ان اشتد القصف الجوي والبحري والارضي، وصرنا نرى عمليات انزال المعدات والسيارات العسكرية والجنود من الطائرات المروحية عند اطراف المخيم، عندها طلب منا والدي ان نأخذ بطاقاتنا والتوجه بسرعة الى المستشفى الحكومي الذي لا يبعد سوى عدة امتار عن منزلنا، وذهبنا لنتفاجيء بانه قد امتلأ عن بكرة ابيه بالعائلات القادمة من داخل مخيم عين الحلوة والمناطق المجاورة. ولم نتخيل ابدا ان يطول مكوثنا وحصارنا داخل المستشفى للدرجة التي نصل معها الى المعاناة من الجوع والعطش اكثر من الخوف من الموت، وهو ما دفع بالكثير من الناس لاستهلاك كل ما وجدوه في المستشفى وشربوا حتى الامصال الموجودة في مخازن الادوية…وقد وجدنا غالونا من البلاستيك فكنت اخرج الى اطراف حديقة المستشفى مستغلا الاوقات التي تخف فيها حدة القصف لملئه بالماء، وكان يرافقني وليد وهو احد الاصدقاء ومن الجيران السابقين في مخيم البرج الشمالي، ولكن في اخر مرة طلب مني ان ارافقه لتعبئة الغالون رفضت الخروج ونصحته ان يتانى بسب شدة القصف وسقوط القذائف بمحيط المستشفى واصابة خزانات الوقود واشتعالها، غير انه اصر على الخروج لجلب الماء وكانت تلك هي اخر مرة ارى فيها وليد…
– وماذا حدث بعد خروجكم من معمل التفاح؟
– نصحونا بان نذهب الى احد المقرات العسكرية للجيش الاسرائيلي كي نضع ختما على الذراع حتى تعرف قوات الاحتلال انه سبق وتم اعتقالنا وهكذا نتمكن من التجوال متفادين الاعتقال من جديد، وبالفعل ذهبنا الى ذلك المكان بالقرب من “البوابة الفوقا” وبعد انتظار ومعاناة بسبب الازدحام وضع لنا العسكري الختم…
– ختم مطبوع على اليد؟ سأل مستغربا
– نعم، ختم لونه بين الازرق والاخضر شبيه بالوشم ولا ادري ماذا كتب عليه بالعبرية…
عاد المحقق لصمته وسرحانه ولم اعد اعرف اذا كان يريدني ان اكمل او اتوقف، ربما تذكر طفولته واهله ومعاناتهم في قرية لابيا القريبة من فرصوفيا، وكيف قام النازيون بوضع ختم او شارة نجمة داوود على اذرعهم كي يميزوهم عن الاخرين عند تحركهم ومغادرتهم لاماكن اقامتهم…وربما…
وجمعة طيبة لكل الاحبة…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى