أخبار محلية

تعزيز ثقة المستثمرين من خلال بناء بيئة قانونية وقضائية عادلة في سلطنة عُمان

وهج الخليج ـ مسقط

سعت سلطنة عُمان في السنوات الأخيرة إلى تحسين نظامها القضائي التجاري من خلال إنشاء بيئة قانونية وقضائية عادلة وفعّالة لتعزيز ثقة المستثمرين عبر تأسيس محكمة الاستثمار والتجارة المتخصصة كخطوة مهمة من المجلس الأعلى للقضاء، مما يُسهم في تعزيز الاستقرار الجاذب للاستثمار.

وتأتي هذه الإجراءات ضمن الجهود السامية لتحديث التشريعات لتتناسب مع مستهدفات رؤية “عُمان 2040” واحتياجات التنمية الحديثة، إذ شهد القطاع القانوني والقضائي تحسينات في كفاءة التقاضي وتقليل التكاليف، بالإضافة إلى تعزيز استقلالية القضاء وموثوقيته.

وفي هذا الإطار، نفذت سلطنة عُمان إصلاحات مؤسسية أسهمت في تعزيز موثوقية النظام القضائي، فتمت إعادة هيكلة المجلس الأعلى للقضاء بموجب المرسوم السلطاني رقم 35 / 2022، ووضعه تحت إشراف مباشر من جلالة السلطان المعظم /حفظه الله ورعاه/، وشملت هذه الهيكلة إنشاء جهة قضائية مستقلة تُدير المنظومة القضائية بعيدًا عن أي تأثيرات تنفيذية، مع منح المجلس الأعلى للقضاء صلاحيات إدارة شؤون القضاة والمحاكم، واعتماد معايير لضمان اختيار القضاة الأكفاء ذوي الخبرات المناسبة وفق آليات موضوعية، مع التركيز على تدريبهم وتطوير مهاراتهم على نحو مستمر.

وتهدف هذه الإجراءات إلى دعم حيادية القضاء ومصداقيته، بما يعزز ثقة الأطراف، سواء كانوا مواطنين أم مستثمرين أجانب، بأن نزاعاتهم ستُحل بشكل عادل وموضوعي، بغض النظر عن جنسياتهم أو أوضاعهم.

وسعت سلطنة عُمان إلى تحسين كفاءة وسرعة عملية التقاضي، بما يؤثر إيجابًا على بيئة الأعمال، واعتمدت آليات جديدة تسهم في تسريع عملية الفصل في المنازعات، سواء من خلال تحديث القوانين والإجراءات، أم من خلال استخدام التقنيات الحديثة في إدارة القضايا.

وأصدرت سلطنة عُمان مجموعة من القوانين تهدف إلى تسريع عملية الفصل في القضايا، ومن أبرزها قانون تبسيط إجراءات التقاضي لبعض المنازعات الذي صدر بالمرسوم السلطاني رقم 125 / 2020، وبموجب هذا القانون أُجريت تعديلات تهدف إلى تقليل التعقيدات في الدعاوى التجارية والمدنية، كما صدر قانون محكمة الاستثمار والتجارة بالمرسوم السلطاني رقم 35 / 2025، الذي حدد مددًا زمنية لكل مرحلة من مراحل الدعوى التجارية والاستثمارية، ووضع جداول زمنية ملزمة لتقديم المذكرات والردود والفصل في القضايا، بهدف تسريع إجراءات التقاضي وتوفير حلول “سريعة وفعّالة” لأطراف النزاع.

وتضمن قانون محكمة التجارة والاستثمار إنشاء مكتب تهيئة الدعاوى، ويضم مجموعة من القضاة والمساعدين القانونيين لإعداد ملف الدعوى وإكمال نواقص المستندات التي تسهم في الفصل في الدعوى، كالسجل التجاري، وتبادل الردود والتعقيبات قبل نظر الدعوى وتحديد أول جلسة لها، وأسهمت هذه الخطوة بشكل ملحوظ في تقليل التأخيرات الإجرائية التي تعيق الفصل في الدعاوى.

وتتماشى جهود سلطنة عُمان على المستوى الإقليمي في تسريع التقاضي التجاري مع الاتجاه السائد في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية؛ إذ تسعى من خلال اعتماد آليات مثل الجداول الزمنية الملزمة والأنظمة الرقمية المتكاملة إلى مواكبة أفضل الممارسات في تسريع عملية الفصل في المنازعات، بما يسهم في تحسين ترتيب سلطنة عُمان في المؤشرات الدولية الخاصة بإنفاذ العقود، ويجعل النظام القضائي العُماني خيارًا أكثر جاذبية لحل المنازعات بدلًا من اللجوء إلى التحكيم أو المحاكم الأجنبية.

وإلى جانب تقليص إجراءات التقاضي، أولت سلطنة عُمان أهمية كبيرة لتقليل التكاليف المالية المتعلقة بالتقاضي، بما يمكّن الشركات، خصوصًا الصغيرة والمتوسطة، من الوصول إلى القضاء دون عوائق مالية، وقام المجلس الأعلى للقضاء بإجراء مراجعة شاملة لرسوم الخدمات القضائية بالتعاون مع وزارة المالية، وأسفرت المراجعة عن تخفيض 14 رسمًا وإلغاء 5 رسوم، وهدفت إلى كفالة حرية التقاضي وتعزيز كفاءة الخدمات القضائية، وضمان تقديم خدمات قضائية وعدلية عالية الجودة للمستفيدين، وتحسين بيئة الأعمال.

ومن أبرز التغييرات في الرسوم القضائية اعتماد نظام الشرائح الجديد لتقدير رسوم الدعاوى، الذي يهدف إلى توحيد الرسم بين المحكمتين الابتدائية والاستئنافية وفقًا لقيمة المطالبة المالية، حيث انخفضت بعض الرسوم بأكثر من 95 بالمائة، مما يضمن فعليًا “حرية التقاضي” ويشجع الشركات الصغيرة على المطالبة بحقوقها من خلال القضاء دون القلق من تكاليف الرسوم.

وأوضح فايز بن مبارك المسكري، مدير دائرة شؤون كاتب العدل بالمجلس الأعلى للقضاء، أن هذه المراجعة تأتي في إطار استراتيجية سلطنة عُمان لتحسين بيئة الأعمال وجذب الاستثمارات من خلال تقديم خدمات قضائية عالية الجودة بتكاليف معقولة ومتوازنة.

وأضاف أن هذا التوجه يتماشى مع جهود تحسين تصنيف سلطنة عُمان في المؤشرات الدولية المتعلقة بسهولة ممارسة الأعمال وحل النزاعات التجارية، وإلى جانب تخفيض رسوم المحكمة، تُحدد أتعاب المحاماة في سلطنة عُمان بناءً على السوق وطبيعة كل قضية، لكنها تظل عمومًا ضمن حدود معقولة مقارنة بالعديد من الدول، ويرجع ذلك إلى قصر فترة النزاع وقلة عدد الجلسات المطلوبة، بفضل استخدام الإجراءات الإلكترونية وسرعة الفصل في القضايا، ما قلل العمل القانوني المطلوب من المحامين، وانعكس في تقليل التكاليف الإجمالية للتقاضي على المستثمر.

وأشار إلى أن إجراءات التقاضي في سلطنة عُمان أصبحت أكثر كفاءة وسرعة وأقل تكلفة مقارنة بما كانت عليه سابقًا، وهذه التحسينات تشجع المستثمرين الأجانب، حيث استطاعت سلطنة عُمان تحقيق توازن مهم بين قضاء سريع وعادل ومتاح للجميع، دون زيادة التكاليف أو تعقيد الإجراءات، مما يعزز الثقة ببيئة الاستثمار.

وفي سياق الانفتاح القانوني لسلطنة عُمان على العالم، قام المشرّع العُماني بتطوير آلية واضحة وفعالة للاعتراف بالأحكام الصادرة من المحاكم الأجنبية وتنفيذها داخل سلطنة عُمان، وتعد هذه القضية مهمة للمستثمرين الأجانب، إذ يتيح النظام القانوني العُماني هذه الإمكانية وفق شروط وضوابط تضمن تحقيق التوازن بين احترام الأحكام القضائية الأجنبية وسيادة القانون العُماني.

وتعد سلطنة عُمان جزءًا من عدة اتفاقيات دولية وإقليمية تهدف إلى تسهيل تنفيذ الأحكام بشكل متبادل، حيث وقّعت على اتفاقية تنفيذ الأحكام والإنابات والإعلانات القضائية لدول مجلس التعاون في عام 1996م، التي تضمن الاعتراف المتبادل بأحكام المحاكم بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وانضمت إلى اتفاقية الرياض العربية للتعاون القضائي لعام 1983م، وصدقت عليها في عام 1999م، التي تنظم الاعتراف بالأحكام بين الدول العربية.

وإلى جانب القضاء الرسمي، تعزّز سلطنة عُمان آليات الحل البديل للنزاعات، وعلى رأسها التحكيم التجاري كخيار فعال للمستثمرين، فالتحكيم يمنح الأطراف مرونة في اختيار المحكمين والإجراءات، وسرية في المناقشات، وإمكانية الفصل السريع في القضايا المعقدة دون المرور بمراحل التقاضي المطوّلة.

وتدرك سلطنة عُمان أهمية التحكيم كوسيلة موثوقة لحل النزاعات التجارية، لذا أرست إطارًا قانونيًا ومؤسسيًا يواكب أفضل الممارسات الدولية في هذا المجال.

ولتحسين البنية الأساسية المؤسسية، أُنشئ مركز عُمان للتحكيم التجاري بموجب المرسوم السلطاني رقم 26 / 2018 كهيئة مستقلة غير ربحية تحت إشراف غرفة تجارة وصناعة عُمان، ويهدف إلى تقديم منصة تحكيم تتماشى مع المعايير الدولية وتكون متاحة للشركات العُمانية والأجنبية، وحقق المركز تقدمًا ملحوظًا من خلال وضع قواعد تحكيم مستوحاة من أفضل الممارسات العالمية.

وأعلن المركز في بداية العام الجاري أنه أكمل إعداد مسودة محدثة لقواعد التحكيم الخاصة به، تتضمن تحديثات تتماشى مع المعايير الدولية الحديثة وتسهّل إدارة القضايا بفعالية، بما في ذلك إدخال إجراءات إلكترونية.

ويُتوقع أن يزداد الإقبال على التحكيم، سواء على النطاق المحلي أم الدولي، في سلطنة عُمان، خاصة في القطاعات التي تتطلب طابعًا فنيًا، أو تلك التي يفضل مستثمروها السرعة والسرية في الحل، مثل قطاعات البناء والطاقة وتقنية المعلومات وغيرها.

وصدر في شهر مارس 2025م المرسوم السلطاني رقم 35 / 2025 بشأن إنشاء محكمة الاستثمار والتجارة ككيان قضائي متخصص، مما يمثل خطوة مهمة في تطوير النظام القضائي التجاري في سلطنة عُمان، وتهدف هذه المحكمة على نحو أساسي إلى تعزيز كفاءة وموثوقية حل المنازعات التجارية والاستثمارية، بما يتماشى مع أهداف رؤية “عُمان 2040” لبناء اقتصاد متنوع ومستدام مدعوم بمؤسسات قانونية قوية.

ويشكل وجود محكمة متخصصة وكفؤة في الإجراءات تعزيزًا قويًا للثقة لدى المستثمرين، إذ يدرك المستثمرون المحليون والأجانب أن أي نزاع تجاري سيُنظر فيه من قبل قضاة ذوي خبرة في مجالات التجارة والاستثمار، عوضًا عن محكمة عامة قد تفتقر إلى التخصص اللازم، ما يعزز دقة العدالة في الأحكام المتعلقة بالمسائل التجارية المعقدة.

وأوضح خبراء قانونيون أن هذه الخطوة تضع سلطنة عُمان في مرتبة الدول الخليجية التي أنشأت محاكم تجارية متخصصة، كما أنها جزء من جهود إقليمية لتعزيز ثقة المستثمرين من خلال تحسين النظام القضائي الاقتصادي، علاوة على ذلك، سيسهم إنشاء المحكمة في تخفيف الضغط على القضاء العام، ويتيح توزيع الموارد القضائية بشكل أكثر كفاءة.

وأكد زياد بن علي البلوشي، محامي ومستشار قانوني، أن النظام القضائي التجاري في سلطنة عُمان يعيش مرحلة جديدة من التطور المؤسسي والتنظيمي تعكس بوضوح الرؤية الطموحة للدولة في بناء منظومة عدلية حديثة تدعم الاقتصاد الوطني وتواكب تطلعات المستثمرين، موضحًا أن الإصلاحات الأخيرة شملت عمل القضاء التجاري من حيث التخصص والسرعة واستخدام التقنية في إدارة الدعاوى.

وقال في تصريح لوكالة الأنباء العُمانية إن إنشاء محكمة التجارة والاستثمار يُعد خطوة محورية في هذا المسار، إذ تمثل نقلة نوعية نحو تحقيق عدالة اقتصادية متخصصة تواكب حجم النشاط التجاري والاستثماري في سلطنة عُمان، لتُعطي بعدًا مؤسسيًا للتقاضي التجاري من خلال جمع الخبرات القضائية المتخصصة وتمكينها من التعامل مع القضايا التجارية والاستثمارية بأسلوب يوازن بين متطلبات السرعة ودقة الأحكام.

وأعرب عن أمله في أن تطور المحكمة آلياتها التقنية والإجرائية بما يتيح مستقبلًا إدارة القضايا إلكترونيًا بصورة شاملة، من قيد الدعوى إلى إصدار الحكم وتنفيذه، بما يضمن تحقيق عدالة ناجزة تواكب إيقاع الأعمال التجارية وتسهم في تعزيز الثقة بالمنظومة العدلية.

وأشار إلى أنه من الجوانب التكاملية المهمة في هذا الإطار تخصيص لجان للنظر في قضايا الإيجارات، وهي خطوة عملية موفقة تسهم في تخفيف الضغط عن المحاكم العامة، وأوجدت آلية سريعة وفعالة للفصل في المنازعات الإيجارية بما يتناسب مع طبيعتها المتكررة والمتغيرة، وشكلت هذه اللجان مثالًا ناجحًا على تطبيق مفهوم العدالة المتخصصة التي توازن بين حماية الحقوق وتسريع الإجراءات، بما ينعكس إيجابًا على بيئة الأعمال والاستقرار السكني والتجاري على حد سواء.

وأوضح أنه لا يمكن إغفال الدور المتنامي لمركز عُمان للتحكيم التجاري، الذي أصبح ركيزة أساسية في تعزيز منظومة تسوية المنازعات بوسائل بديلة كالتحكيم والوساطة والتسوية الودية، وهذا التوجه لا يخفف العبء عن المحاكم فحسب، بل يعكس نضج الفكر القانوني في سلطنة عُمان وقدرتها على تبني آليات حديثة تسهم في جذب الاستثمارات وتحقيق الاستقرار القانوني، مشيرًا إلى أنه من خلال هذا المركز بات للقطاع الخاص قناة مؤسسية موثوقة لحسم النزاعات بطريقة احترافية وسريعة.

وبين أن الثقة في بيئة الاستثمار لا تُبنى فقط على الحوافز الاقتصادية، بل على وجود نظام قضائي متطور يُطمئن المستثمر بأن حقوقه مصونة وأن العدالة تُطبق بكفاءة وشفافية.

وقال إن تحديث الإطار التشريعي التجاري في سلطنة عُمان يعزز ثقة المستثمرين، فالتعديلات التي طالت قانون الشركات التجارية وقانون الإفلاس جاءت لتعكس فهمًا دقيقًا لمتطلبات السوق الحديثة، وتؤسس لبيئة أعمال أكثر مرونة وشفافية، موضحًا أن القوانين أسهمت في تنظيم المعاملات وتبسيط الإجراءات وتوفير الحماية القانونية الكافية للمستثمرين وأصحاب المشاريع، مما يعزز تنافسية الاقتصاد الوطني ويشجع على جذب المزيد من رؤوس الأموال المحلية والأجنبية.

وأكد أن هذه الخطوات تتسق مع مستهدفات رؤية “عُمان 2040” التي أكدت على بناء بيئة تشريعية وقضائية عادلة ومحفزة للنشاط الاقتصادي، إذ تسعى الرؤية إلى توفير مناخ قانوني مستقر يشجع على الابتكار والاستثمار ويعزز تنافسية سلطنة عُمان على المستوى الدولي، وبدأت ثمار هذه الجهود تظهر بوضوح في التقارير الدولية، حيث سجلت سلطنة عُمان ارتفاعًا ملحوظًا في مؤشرات الجاذبية الاستثمارية وبيئة الأعمال، ما يعكس الثقة المتزايدة من المؤسسات الدولية والمستثمرين العالميين بصلابة المنظومة القانونية والعدلية في سلطنة عُمان.

وأسهم التحول الرقمي في تسريع الإجراءات بشكل غير مسبوق من خلال تقديم منصات إلكترونية متكاملة لإيداع الدعاوى وتبادل المذكرات وإجراء التبليغات وتنفيذ الأحكام، وعلاوة على ذلك، يشهد القضاء العُماني تطورًا نحو حل المنازعات بسرعة ودقة في المواعيد، مع تعاون مثمر بين المحاكم والتحكيم مدعوم بقوانين وسياسات تشجع على بدائل التسوية، وكل هذه العوامل أدت إلى تحسين جودة ودقة الأحكام التجارية وتوفير بيئة قانونية مستقرة تعزز تخطيط الأعمال وتقلل المخاطر أمام المستثمرين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى