أخبار العالم

لماذا تحتاج الهند إلى استراتيجية أكثر استباقية ؟

وهج الخليج- وكالات

يرى المحللان فيناي كورا وبارنا باندي أن الهند ، الدولة الأكثر سكانا وأكبر رابع اقتصاد في العالم وصاحبة رابع أكبر جيش، كانت دوما لغزا بالنسبة للمراقبين الخارجيين.والهند دولة حضارة عريقة ولكن على عكس دول أخرى مثل ، الصين وإيران وروسيا ، هي قوة الوضع الراهن وليست دولة تسعى لتعديل القواعد القائمة. وقال المحللان كورا ، وهو أستاذ مساعد في قسم الشؤون الدولية ودراسات الأمن في جامعة سردار باتيل للشرطة والأمن والعدالة الجنائية، براجستان الهند، وباندي وهي مديرة مبادرة مستقبل الهند وجنوب آسيا في معهد هدسون في تقرير نشرته كجلة ناشونال انتريست،إنه حتى في شبه القارة الهندية ، حيث تعتبر الهند نفسها القوة المهيمنة ، لطالما كانت دولة محبة للخير ولم تحاول من جانب واحد تغيير حدودها مع الدول المجاورة. وينطبق هذا حتى على جارة الهند الغربية ،باكستان، التي كان قد تم استقطاعها من الهند التاريخية . ورغم أربعة أيام من القتال مع باكستان في شهر مايو الماضي ، ظلت ردود الحكومة الهندية مدروسة ويمكن حتى وصف بياناتها الصحفية بأنها مخففة. ولا يعد شن الهجمات الإرهابية داخل الهند بالأمر الجديد، كما أن دعم الدولة العميقة الباكستاني للمجموعات الإرهابية المناهضة للهند موثق بشكل جيد بالمثل. وعلى مدار عقود ، اختارت الهند الرد على هذا الإرهاب المدعوم ، بضبط نفس استراتيجي وبدبلوماسية. وحتى بعدما تبنت حكومة رئيس الوزراء ناريندرا مودي نهجا أكثر انتقاما في عام 2016،كان التغيير أكثر رمزية من كونه تحولا. وتم الحفاظ على ضبط النفس في عامي 2016و2019ومرة أخرى في عام 2025حتى في الوقت الذي رفعت فيه الهند مستوى التصعيد كل مرة. وكان تفضيل نيودلهي التاريخي للاستقرار الإقليمي واضحا عندما وافقت على الفور ،بعد أربعة أيام من القتال ، على وقف لإطلاق النار. وعلى عكس القوى التي تسعى إلى إعادة رسم الحدود أو تقويض شرعية الخصوم ، قبلت الهند ، من عام 1947فصاعدا، وجود باكستان كأمة ذات سيادة وامتنعت عن القيام بأعمال ربما تهدد وحدة وسلامة أراضيها حتى عندما كان يمكن أن تؤدي مثل هذه الأعمال إلى تحقيق مكسب تكتيكي للهند.
ويحدث هذا رغم الدعاية المستمرة من جانب الدولة الباكستانية ، بصفة خاصة مؤسستها الاستخباراتية /العسكرية التي تزعم أن الهند تسعى إلى تقويض التقسيم أو تأسيس باكستان. وأضاف المحللان أن الدولة الهندية تحكمها القناعة بأن لجوءا متهورا لاستعادة أرض كانت تابعة للبلاد أو التخريب لن يؤدي إلا إلى زعزعة التوازن الهش في شبه القارة الهندية. وتجنبت الهند ايضا استغلال مواطن الضعف الداخلية في باكستان فيما يتعلق بالتمردات العرقية والقومية الفرعية العديدة داخل الاراضي الباكستانية المتوترة.
وحتى خلال الحرب الأخيرة التي خاضتها الهند وباكستان ، حرب كارجيل عام 1999، امتنعت الهند عن تجاوز الحدود التي ربما كانت قد أدت إلى زعزعة استقرار وجود باكستان. وكانت الحسابات واضحة: فرغم أن الردود الانتقامية كانت مطلوبة أحيانا ، فإن انهيار الدولة الباكستانية النهائي أو انزلاقها إلى فوضى لايمكن السيطرة عليها سوف يشكل معضلة أمنية للهند أكبر من أي نشوة فورية نابعة من المغامرة العدوانية . ويستحق تمسك الهند العلني بعدم البدء باستخدام (الأسلحة النووية) اهتماما خاصا. ورفضت الهند الإغراء الخاص باستخدام الأسلحة النووية أو التهديدات باستخدامها لتحقيق أي مكسب سياسي قصير المدى .
وضمن هذا الموقف الأخلاقي ألا تتخذ أي حكومة هندية مسار الضربة الاستباقية. وإضافة إلى طمأنة باكستان وتهدئة مخاوف الصين ، ساعد هذا الموقف الهند على كسب احترام العالم كدولة نووية تتحلي بالمسؤولية. وهذا وهو السبب وراء الاستثناء الذي أقدمت عليه الولايات المتحدة في سياستها ووقعت على اتفاق نووي مدني مع الهند في عام 2008. ولم يتم منح أي دولة أخرى هذا الامتياز ، وجعل هذا النضوج وإمكانية التكهن بتصرفاتها ، الهند شريكا مفضلا في المنظومة الأمنية الناشئة لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ.
وسياسة الهند الخاصة بعدم البدء باستخدام الأسلحة النووية موجودة لتبقى ،حتى رغم أن بعض كبار قادة الحكومة قد هددوا بمراجعتها خلال أوقات الأزمات العسكرية مع باكستان. ومع ذلك، سوف يكون أمرا مضللا النظر إلى مثل هذه التهديدات من خلال معناها الظاهري لأن هدفهم هو التأكيد على أن ضبط النفس من جانب الهند هو نتاج إرادتها الحرة. وفي الحسابات الاستراتيجية الهندية ، تعد الصين الخصم الرئيسي بينما تعد باكستان بمثابة عنصر تشتيت للتفكير ، رغم أنه مكلف بناء على القدرة والوسائل المتاحة للتعامل معه. ويتضح إعادة التوجيه هذا في انماط المشتريات الدفاعية والعمل الدبلوماسي ، والجغرافية المتغيرة للشراكات الاستراتيجية الهندية. وبالنسبة للمخططين الأمنيين الهنود ، تشكل باكستان تهديدا ثانويا ،رغم أنه مرهق ، بينما تمثل الصين الخصم الاكثر تحديا وخطورة . وتنعكس هذه الحسابات الاستراتيجية بوضوح في نهج الهند في الانخراط مع العالم وإعداد خططها الدفاعية .
وأضاف المحللان أن إعادة تنظيم الموارد العسكرية والدبلوماسية والاقتصادية صوب منطقة المحيطين الهندي والهادئ وتعميق الشراكات مع الولايات المتحدة والقوى ذات الفكر المماثل ، والسعي لتحقيق التفوق التكنولوجي والبحري، تشير جميعها إلى أمة تسعى لتجاوز قيود المنافسة في شبه القارة الهندية. ويتضح هذا في إعادة توجه الهند الاستراتيجي الذي يسعى لاستثمار قدراتها الضخمة في المجالات العسكرية والتكنولوجيا والاقتصادية للانتقال من انتهاج سياسة خارجية وأمنية تقوم على رد الفعل إلى سياسة خارجية وأمنية استباقية. وتعكس ردود الهند الحكيمة والمحسوبة على استفزازات باكستان رغبة في تجنب جرها إلى نزاعات في شبه القارة الهندية ، والتركيز بدلا من ذلك على منطقة المحيطين الهندي والهادئ. وبينما يتم تصوير السياسة الهندية بأنها تقوم على رد الفعل أو عدائية ، تعد هذه السياسة تجاه باكستان في الحقيقة دراسة في التنسيق الدقيق لضبط النفس وإعادة التوجيه الاستراتيجي . وتابع المحلللان أن هذه سياسة لاتسعى إلى إبادة خصم ولكن إلى دفع ذلك الخصم إلى هامش التاريخ . ومن المرجح أن تثبت هذه السياسة أنها شكل للنصر أكثر ديمومة. واختتم المحللان تقريرهما بالقول إنه من خلال رفض تحديدها من جانب جارتها الاكثر تقلبا ، تختار الهند أن تحدد نفسها بموجب شروطها ومعاييرها على نطاق أوسع مع وضع عينها ليس على المناوشات الحدودية المقبلة ولكن على مشهد القوة العالمية الذي يتبلور.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى