برنامج إيران النووي .. هاجس نتنياهو منذ 20 عاما

وهج الخليج ـ وكالات:
يشكّل الهجوم الإسرائيلي الشنيع على إيران الجمعة تتويجا لتهديدات يطلقها رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو منذ قرابة 20 عاما، ولو كان ذلك على حساب التعارض في العلن مع الولايات المتحدة، أبرز حلفاء إسرائيل. وأتت الضربات غير المسبوقة قبل يومين من الموعد المعلن لجولة جديدة من المباحثات بين واشنطن وطهران، والهادفة الى التوصل لاتفاق جديد بشأن البرنامج النووي للجمهورية الإسلامية. وأتت الضربات بعد ساعات من قول ترامب “نحن قريبون الى حد ما من التوصل الى اتفاق جيد للغاية”، مضيفا بشأن إسرائيل “لا أريدهم أن يتدخلوا، لأنني أعتقد أن ذلك سينسف الأمر برمته”، قبل أن يسارع للإضافة ان ذلك “قد يساعد في الأمر عمليا، لكن قد ينسفه أيضا”.
وفي حين لم يخفِ نتنياهو قط معارضته لأي تفاهم بين الدول الغربية وإيران، اختار المضي في مسار معاكس لما طلبه ترامب، على رغم أن محللين يشككون في أن يكون ظاهر الأمور كما باطنها. ويشكك الأستاذ في الجامعة العبرية في القدس مناحم ميرحافي “في أن إسرائيل كانت لتقوم بذلك فيما لو قالت لها الولايات المتحدة لا”، ملمحا الى أنه “ربما كان هناك، اتفاق من نوع أنتم (واشنطن) تفاوضون، ونحن (إسرائيل) نهتم بالضربات”.
في أي حال، فإن “التوقيت الذي تمّ اختياره منطقي، إذ إن إسرائيل لا تتوقف عن تضييق الخناق على إيران منذ سنة ونصف سنة”، بحسب الأستاذ الجامعي، وذلك في إشارة الى سلسلة ضربات وجّهتها دولة الاحتلال الى الجمهورية الإسلامية وحلفائها في المنطقة منذ اندلاع حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة. وقال نتنياهو إنه “أمر” بتوجيه ضربة لبرنامج إيران النووي قبل أشهر. وتابع أنّه “كان من الضروري التحرك وحددت موعد التنفيذ في نهاية أبريل 2025 (لكن) لأسباب مختلفة، لم ينجح الأمر”. لكن هاجس نتنياهو بإيران يعود الى أعوام طويلة خلت.
ـ “خطأ تاريخي”
في ديسمبر 2005، وبعد أقل من شهرين على الضجة العالمية التي أثارتها دعوة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد الى “محو إسرائيل من الخريطة”، قال نتنياهو الذي كان حينها في المعارضة، إن البرنامج النووي “يشكل خطراً جسيماً على مستقبل” إسرائيل. واعتبر أن على إسرائيل “أن تفعل كل ما يلزم لمنع إيران” من تطوير قنبلة نووية، متطرقا الى إمكانية شنّ ضربات عسكرية.
لم يعد نتنياهو الى رئاسة الوزراء سوى في العام 2009، وهو لم يترك المنصب منذ ذلك الحين سوى لفترة وجيزة بين العامين 2021 و2022. طوال هذه السنوات، يكرر نتنياهو أنه لا يصدق نفي الجمهورية الإسلامية المتكرر بأن برنامجها النووي هو لغايات مدنية بحتة، وهدد بانتظام باللجوء إلى “الخيار العسكري”. في العام 2015، وصف نتنياهو الاتفاق الدولي الذي أبرم بين طهران والقوى الكبرى بأنه “خطأ تاريخي”، بعدما أتاح فرض قيود على برنامج طهران النووي لقاء رفع عقوبات دولية عنها.
تسببت انتقاداته المتكررة للاتفاق في برودة في علاقته مع الرئيس الأميركي باراك أوباما (2009-2017). وفي 2018، أشاد نتنياهو بقرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب سحب الولايات المتحدة أحاديا من الاتفاق وإعادة فرض عقوبات على طهران التي بدأت بالتراجع تدريجيا عن التزاماتها النووية. ورفعت إيران من نسبة تخصيب اليورانيوم وزادت مخزونها بشكل كبير. طوال هذه السنوات، عمل جهاز الاستخبارات الخارجية الإسرائيلي (الموساد) في عمق إيران، واتهمته طهران بالوقوف خلف العديد من العمليات ضد البرنامج النووي. وفي حين لا تؤكد إسرائيل أو تنفي حيازتها للسلاح النووي، يقول معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام أنها تحوز على 90 رأسا نووية.
ـ تغيير ميزان القوى
منذ طوفان الأقصى في 2023، يكرر نتنياهو أن إسرائيل تخوض حربا وجودية وتعتزم “تغيير الشرق الأوسط”. في خريف 2024، قلبت إسرائيل الوضع لصالحها في ساحة المعركة، إذ كبدت حزب الله، خسائر كبيرة بعد نزاع امتد لأكثر من عام. وتلا ذلك سقوط حكم حليفها الآخر بشار الأسد في ديسمبر، والذي ترافق مع انسحاب آلاف المستشارين العسكريين والمقاتلين الذين أرسلتهم إيران الى سوريا. وفي أواخر أكتوبر 2024، رد الجيش الإسرائيلي على إطلاق طهران حوالى 200 صاروخ على إسرائيل، بشن ضربات ضد أهداف عسكرية في الجمهورية الإسلامية. وقال وزير الدفاع يوآف غالانت في حينه إن هذه الضربات قد “غيرت توازن القوى” و”أضعفت (إيران) سواء في قدرتها على بناء الصواريخ أو في قدرتها على الدفاع عن نفسها”. وأثناء استقباله وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو في فبراير، قال نتنياهو بثقة “بفضل دعمكم الثابت، ليس لدي أدنى شك في أننا سوف نُنهي المهمة” ضد إيران.
ويرى داني سيترينوفيتش، من المعهد الوطني لدراسات الأمن الإسرائيلي (INSS)، أن ترامب يعتبر أن هجوم إسرائيل “يخدم مصالحه”. وقال لفرانس برس إن الرئيس الأميركي “مقتنع حقا بأنه طالما إيران ضعيفة، فإنه سيتمكن من التوصل إلى اتفاق بشأن الملف النووي الإيراني”. لكن خبيرة إيران في معهد واشنطن هالي داغرس تحذر من أنه إذا كانت إدارة ترامب لا تزال تعتقد بإمكان عقد “مناقشات جديدة مع الإيرانيين في سلطنة عٌمان الأحد، فذلك يظهر أنها لا تفهم شيئا حقا عن الجمهورية الإسلامية”.




