أخبار محلية

الكتب بين الاندثار والازدهار.. واقع القراءة في عصر التكنولوجيا

 

عائشة الحتروشي: لكل جيل توجهاته ويحدد مسار ذلك السائد في عصره

د. سالم العريمي: العزوف عن القراءة ظاهرة كبيرة

د. ضياء خضير: تراجع الكتاب المطبوع لا يعني تراجع القراءة بالضرورة

 

تحقيق: مزون الغيلانية

عندما تتغطى أرفف الكتب بغبار العزوف عن القراءة ليس هناك من زائر لهذه الكتب التي لطالما مكثت ترحب بزوارها القراء، تبدل حال القراءة مع مرور الزمن إلى أن استحوذت التكنولوجيا اهتمام القراء، وكادت تصبح مصدر المعرفة الأول. وطرق الحصول على المعرفة وطلب العلم تختلف من طريقة إلى أخرى فهناك من يفضل القراءة بالطريقة التقليدية عن القراءة من خلال الشبكة العنكبوتية، وهناك من يفضل القراءة الإلكترونية، وعلى الرغم من أهمية الحفاظ على الكتب واقتناءها إلا أن هنالك وجهات نظر تفاوتت حول واقع القراءة في عصر التكنولوجيا.

أسباب العزوف عن القراءة

حث الإسلام على طلب العلم في أول آية في سورة العلق: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) والتي تبدأ بإقرأ دلالة على أهمية القراءة في طلب العلم. مع تطور التكنولوجيا التي باتت الشغل الشاغل بين أفراد المجتمع، فقد أصبحت القراءة لا تحتل تلك المكانة الهامة التي كانت تحضى بها في الماضي عندما لم يكن للتكنولوجيا الحديثة وجود. عائشة الحتروشي معلمة أولى في اللغة العربية تقول: “الانشغال بأمور حياتية ليست ضرورية كلها، ودور قنوات التواصل التي تكبد البشر متابعتها بصورة غير صحية غالبا”. وتضيف سالمة المرهوبي مشرفة تربوية في اللغة العربية: “بالنسبة للمرأة العاملة والأم المربية كثرة المشاغل وازدحام الأعمال، وقلة تنظيم الوقت، ولا تعد القراءة أولوية بالنسبة لهم أولا لغياب الدافع والتشجيع لدى بقية أفراد المجتمع للقراءة”. تنوع وتوفر  الوسائل المختلفة في العصر الحالي التي باتت تنافس الكتاب في الوصول للمعرفة من أسباب العزوف عن القراءة أيضاً، وهذا ما ذكره لنا الدكتور سالم بن سعيد العريمي كاتب وأخصائي أنشطة ثقافية بمديرية التربية والتعليم بمحافظة جنوب الشرقية ويقول: “العزوف عن القراءة ظاهرة كبيرة تمتد إلى جميع أصقاع الدنيا وتطول جميع البلدان مع تفاوت النسب وربما تظهر في بلادنا بصورة كبيرة لانتشار الأمية وفقدان ثقافة القراءة وقلة الاهتمام بالكتاب وعدم توفره أحيانا ومزاحمة الوسائل الأخرى للكتاب في الوصول للمعرفة”.

تحديات القراءة في عصر التكنولوجيا

سالمة المرهوبي تقول: “انتشار استخدام التطبيقات الحديثة في الهواتف الذكية بين معظم شرائح المجتمع أسهم في إلهاء الناس عن القراءة وجعلها أمرا ثانويا بالنسبة لهم؛ لانشغالهم بالتقنيات الحديثة، إذ غدت ثقافة شائعة لدى المجتمع يقلد فيها الأفراد بعضهم بعضا، فلم يجد الكتاب الورقي من يلتفت إليه أو يعتني به، لأن القراءة أصبحت أمرا غير ضروري بالنسبة لهم”. وعائشة الحتروشي تضيف: ” للتكنولوجيا مضارٌ خطيرة على القراءة رغم فضلها الموسوم . فمن وجهة نظري أفضل قراءة الكتب ورقية لا محوسبة، وأراها تفقد المرء المتعة القرائية وسكونها وسهولتها، فحين تهم – مثلا – بالتوقف للمتابعة لاحقا، يتسرب إليك شعور الانزعاج ، فإما أن تنهي القراءة فلا تعاود، أو تواصل القراءة السريعة لتصل للنهاية تخلصا من القراءة، لذا أرى أن التكنولوجيا وصلت بالقراءة حد الإزعاج”. لا شك تواجه القراءة في العصر الحالي تحديات كثيرة منها تراجع الإقبال على الكتب الورقية بسبب سهولة الحصول عليها عن طريق الانترنت، وعبر عن ذلك الدكتور ضياء خضير كاتب وناقد حيث يضيف: “لا يشك أحد في أن الوسائل الالكترونية الحديثة قد أثرت على الكتاب المطبوع على الورق وأسهمت في تراجع اقتنائه وقراءته. علما بأننا في بداية عصر التكنولوجيا الالكترونية، وتوقعاتنا بأن عزلة الكتاب الورقي ستزداد مع مرور الوقت وتوفر المزيد من أجهزة القراءة اللوحية. وقد لا نبالغ إذا ذكرنا أن علاقة الكتاب الورقي بمثيله الإلكتروني ستغدو مثل علاقة الكتاب المخطوط بالكتاب المطبوع، أو علاقة السفينة الحديثة بالسفينة الشراعية، حيث ستصبح هذه النماذج مجرد ذكرى وتاريخ. غير أن تراجع الكتاب المطبوع لا يعني تراجع القراءة بالضرورة، فهو تبدل في الأسلوب والوسيلة، وليس في الهدف والنتيجة. وقد صار من الممكن، كما نعلم، قراءة الكتب الورقية وتحميلها من خلال الوسائل اللوحية، فضلا عن ازدهار القراءة في المجلات والصحف والمواقع الالكترونية المختلفة، وهي توفر لقارئها إلى جانب الكلمة ما لا يستطيع الكتاب الورقي أن يوفره بنفس الطريقة، أعني الصورة والحركة والعرض المشهدي. وكل ذلك لا يعني اختفاء الكتاب أو انتهاء وظيفته التعليمية والتثقيفية الهائلة، لأنه سيبقى لدى الكثيرين موضعا للإقتناء إلى جانب الوسائل التي وفرتها هذه التكنولوجيا الكتابية ذات الطبيعة الثورية”.

التغييرات التي أحدثها عصر التكنولوجيا

الدكتور سالم العريمي يقول: “أول التغييرات هي فقدان ثقافة القراءة وطلب السرعة في الحصول على المعرفة بالوسائل الأخرى وبالتالي تراجع المعرفة وعدم القدرة على مواكبة التطور العلمي ، بالإضافة إلى تراجع منسوب القراءة لدى الناس مما يعني تراجع المعرفة الحقيقية، وتحول القارئ إلى مشاهد للتلفاز ومستمع للهاتف وغيرها من الوسائل، وتراجع صناعة الكتاب وغلائه وعزوف الناس عن القراءة والبحث عن السهولة العلمية والسطحية في التلقي وغلبة المتعة والترفيه وعوامل الجذب الأخرى على وسائل التعلم والأخذ”.  وتضيف عائشة الحتروشي: “تمكين القارئ الباحث من الوصول لأمهات الكتب بسهولة عبر النسخ المصورة، وسهولة بحثه عن النوع والكم في أي مغزى كان ساعيا خلفه، سواء من حيث بحثه عن كتب أو دراسات وبحوث، واطلاعه على الجديد من الإصدارات للروايات والقصص حين يتعذر عليه الحصول عليها ورقية، ودور التكنولوجيا غزير قبل هذا وذاك في الطرح والتلقي، فالكل بإمكانه طرح ما يكتبه ليقرأ، والكل يتلقى ما أحَبَ من صنوف القراءات بنقرة زر”.

تغيرمعدل اهتمام الأجيال بالقراءة

تختلف اهتمامات جيل إلى آخر من حيث الثقافة وطرق الحصول على المعرفة بتوفر الوسائل المتاحة في كل جيل، يقول العريمي: “لا أظن أن تغير الأجيال ساهم في معدل الاهتمام بالقراءة إلا إذا قصدنا التغير المادي والتطور التكنولوجي، من المؤكد أن الأجيال الجديدة تتمتع بوسائل معرفية وعلمية متطورة وسريعة وجاهزة أحيانا، والكتاب يتراجع عن مكانته السابقة وينشعل الفرض عنها كثيرا ولعل هذا جعل القراءة تتأثر كثيرا”. سالمة المرهوبي تقول: “أن الأجيال الجديدة أصبحت أقل اهتماما بالقراءة من الأجيال السابقة لأن القراءة السبيل الأول للمعرفة سابقا، بينما أصبحت التكنولوجيا الآن هي وسيلة المعرفة الأولى والأوسع انتشارا بين الناس وجعلتهم أكثر إقبالا عليها من القراءة التي تتطلب مهارة ولها شروط لتحقق الفائدة المرجوة منها”. وفي السياق تضيف عائشة الحتروشي:لكل جيل توجهاته ويحدد مسار ذلك السائد في عصره، فالقراء التقليديون كانوا يسعدون بنسخة ورقية غير مجودة الإخراج أحيانا وغير محققة، لنهمهم للقراءة، وندرة الموجود، وسارت بنا العصور من ذاك القارئ النهم إلى البارع التقني المنصرف عن اللب إلى سواه، فقارئ اليوم يفضل أن يقضي وقته بتصفح أحدث التغريدات ومراسلة الجماعات حول أمور حياتية يومية وشكلية، لابد سينصرف جيل الآي باد وتويتر والفيس بوك والانستقرام عن القراءة الحقة المفيدة إلى قراءات ما تضعه كل هذه البرامج بين أيديهم بشكل مفتوح على العالم بأسره، فأنى لنا بقارئ؟

مستقبل القراءة بين زخم عصر التكنولوجيا

اكتفت عائشة الحتروشي عند حديثها عن مستقبل القراءة بين زخم التكنولوجيا بالبيت الشعري الذي يقول: ” كالعيس في البيداء يقتلها الظما * والماء فوق ظهورها محمول” بينما يضيف الدكتور سالم العريمي: “التطور العلمي والتقني لن يتوقف والوسائل العلمية الحديثة تسير سيرا حثيثا في التطور ولكن سيبقى الكتاب الورقي موجودا وله أنصاره ومحبوه حتى ولو انسحب قليلا وزاحمته التقنية الالكترونية، فله متعة في طريقة التناول وراحة قرائية لا يجدها القارئ في الوسائل الاخرى”.

المحافظة على الكتب الورقية

سالمة المرهوبي تقول: “من سبل الحفاظ على الكتب من الاندثار دعوة الناس للقراءة ونشر الوعي بين أفراد المجتمع، وتيسير الحصول على الكتب للناس بإيصالها إليهم ودعمها ماديا”. والعريمي يضيف: “أولا أن نجتهد في إعادة ثقافة القراءة وبعدها ستأتي مظاهر القراءة المختلفة كوجود جيل قارئ ووجود المكتبات في كل بيت ومدرسة ومدينة والاعتناء بالكتاب طباعة وتشجيعا ، وأن تتحول القراءة إلى عادة يومية نراها في كل مكان، وأن نقيم مسابقات في التلخيص والعرض والمناقشة المستمرة وتشجيع القراء والكتّاب أيضا ودعم المؤلفين وتيسير سبل الطباعة والنشر لهم”. وتضيف عائشة الحتروشي وتقول: “أرى الدور منوط بدور النشر أولا ، في توفيرها المطلوب من كتب لعامة القراء، وتمكين القارئ من امتلاكها مادة وجهدا، كما هو لزام على المؤسسات المهتمة بشأن القراءة وعلى رأسها وزارات التربية والتعليم، والدور أعظمه على الأسرة، كيف توجه الأبناء للقراءة الورقية، خاصة بعد استبداد التقنية على حياة الناشئة الصغار، وخطورة ذلك عليهم من نواحٍ عدة”.

نصيحة لمن زاد غبار العزوف عن القراءة بأرفف الكتب

وكنصيحة لإحياء القراءة الورقية، الدكتور العريمي يقول: “علينا أن نتعلم كيف نقرأ ونشجع القراءة وننشئ المكتبات ونربي الأجيال القادمة على القراءة، ونحتفي بالكتاب والمؤلفين ونطبع الكتب ونقيم المعارض ونتعود على التلخيص وطرائق عرض الكتب، ونقيم الفعاليات للمساهمة في الارتقاء بثقافة القراءة“. كما تضيف سالمة المرهوبي وتقول: “النصيحة التي أوجهها لكل من ساهم في نشر العزوف عن القراءة، بأن القراءة ستبقى هي المفتاح الأول للعلوم، ومهما بلغت من مكانة اجتماعية أو اقتصادية بين الناس فإن علمك هو الذي سيجعلك تكون الأجدر بتلك المكانة، ولن تحظى بالعلم إلا بالحرص على القراءة والرغبة فيها”. أما عائشة الحتروشي فتوجه نصيحتها وتقول: “لنسوي الجسور بين القراءة والناشئة، ونعيد وئامهم والكتاب، ولنمسح معا الغبار عنها، ونجعلها براقة بأنامل الناشئة حبا وشغفا قرائيا شفيفا، مبتغين في ذلك رضا الله بإعمار لغة القرآن”.

هكذا هي معاناة الكتب الورقية التي أصبحت تفقد قارئيها يوماً بعد يوم، متأملة أن تجدي التوعية والتشجيع نفعاً في إحياء قراءتهاوعودة شعبيتها لدى مختلف القراء.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى