غير مصنف

نار الاسعار هل أبقت وجودا لقيمة الادخار

 التبذير في الانفاق ليس من دواعي الفخر.
  الموازنة في استخدام ميزانية المنزل هي الحل الأمثل لتدبير شؤونه.
 الادخار هو النظرة المستقبلية لضمان استمرارية ترابط الأسرة.

 

إن الانفاق في عصرنا الحالي أصبح ظاهرة تعاني منها المجتمعات، وتبديدا للأموال فيما لا يجدي نفعًا، فأغلب الأسر العمانية باتت بذلك تفوت مصالح كثيرة، وينجم عن ذلك الفقر والحاجة في المجتمع العماني، فأنغمس الفرد العماني في واقع الغلاء المتزايد الذي جعله ينفق ويسرف المال دون أي حساب ولا أي مراجعة، وأصبحت حصته الشهرية التي يتلقاها من عمله تنفذ بلا سابق وبدون تغذية راجعة ل”متى، وكيف، وأين، ولماذا، وماذا” انفقت. لتتخبط حالته المادية ويصبح عاجزا عن فعل أي شي. إن كل ما يصيب الفرد من مشكلات مادية، وارتفاع الأسعار هو من صنع يده؛ فالمشاكل التي تعقب إفلاسه يتحملها الفرد بنفسه، حيث أنه لم يعمل عقله في جدولة دخله وفقا لمتطلباته وأسرته وحياته الخاصة، كما أنه لم يضع خطة لتفادي الأزمات، أو ليسيطر بها على اهداره للمال؛ ليحافظ عليه وينفقه بطريقة صحيحة، حتى لا يعاني بعدها من العجز والإفلاس، وأيضا قد يرجع الى غياب قيمة الادخار من فكر الفرد العماني الذي لا يدرك قيمته ويعتقد بأنه ليس بالضرورة أن يدخر؛ لأنه لا يعود إليه بالنفع. إننا نشاهد -في عصرنا الحالي- تقلبات في القطاع الاقتصادي في عمان؛ فالمرء بطبيعة حالته لا يدرك ماذا سوف يحدث غدا، أو ما الحالة التي سوف يرسي عليها الاقتصاد. فهنا يتوجب على الفرد أن يدرك أهم كل ورقة نقدية ينفقها لغرض معين ويتوجب عليه إدراك أهمية الإدخار التي قد تعود له بمنافع لا يتوقعها الفرد بنفسه.

تعتبر ميزانية المنزل {مصروفات البيت} من المصادر الحيوية في الحياة التي لا يمكن للإنسان الاستغناء عنها؛ فالمال ركيزة أساسية تقوم عليها حياة الفرد؛ حيث إن وجد المال عاش الإنسان حياة هانئة، وإن غاب المال أصبح الفرد كائن مشرد لا يجد ما يسد به رمق جوعه ولا ضمأ عطشه.
وبما يشهد العالم في هذه الآونة من المشاكل التي تهدد الاقتصاد العالمي هي بالأحرى جديرة بأن تجعل الفرد يحسب لكل نقدٍ ينفقه وفي اي غرضٍ انفقه. ويمكننا التحدث بأن المنزل العماني لابد له من سلك طريق يحفظ به ماله ويأمن له مستقلبه، حيث لا يمكن أن يعيش الفرد حياته كلها مُتبذخٌ في المال وينفق بلا حساب ولا أي مراقبة ذاتية. فربما الادخار هو الحل الأنسب لحفظ المال وتأمينه للأيام السوداء التي قد تواجه مستقبلاً.¬
إن المقصود بالاعتدال في انفاق المال: هو توجيه الفرد لكيفية الموازنة في الانفاق، وعدم الإسراف في مصادر الدخل من خلال خطط مدروسة، وإدراكه للمسؤولية التي يعرف بها الفرد الطريق السليم والصحيح للاستخدام الأمثل والأيسر.

فإنفاق المال فوق الحد المعقول، يعتبر تبذير، ولا حاجة له، فإنفاقه على حاجات ليست ذا جدوى أو لا تعود على الفرد بالنفع، لا يفيد بشيء، فمثله مثل الانفاق بشكل قليل ولكن هناك فرق كبير بين الاستخدامين. ويمكن تحسين هذا الوضع من خلال عقد ورش عمل وندوات توعوية عن كيفية إنفاق المال أو استخدام ميزانية البيت (المصروفات المنزلية) لأفراد المجتمع المدني وخاصة الأطفال ؛ لأنهم جيل المستقبل، فحين يقررون شراء شيء أو ينفقون في مجال معين فعليهم الاعتدال في الانفاق وتجنب الإسراف الذي قد يأثر عليهم سلبا في المستقبل، ويعود عليهم بالخسائر وعدم القدرة على توفير مستلزمات الحياة اليومية.

كثير وإن قل.
خلال زياراتي العديدة في البلدة التي أقطن فيها، التقيتُ بالعديد من كبار السن، وهم من عاصر الفقر وعايش تلك الأزمة التي وإن شعروا فيها بالذل والمهانة لقلة الخدمات والتحسينات، إلا أن البعض منهم وبالرغم من أنهم يشكرون الله على النعمة التي أنعمها عليهم وهي تولي حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس -–حفظه الله ورعاه- لمقاليد الحكم. حيث كانوا رغم قلة الدخل الذي يجنونه، إلا أنهم قد يدخرون بعضها للأيام العصيبة. وتذكر هنا الوالدة عائشة السابقية، إحدى النساء اللواتي عايشن الماضي والحاضر: “لقد عشنا سابقا في زمن قلت فيه الموارد، وقل فيه جني المال، وكنا نعتمد فقط على بعض الوظائف التي يقوم بها أزواجنا وهي إما أن تكون بيع الحطب بعد جمعه أو بيع المحاصيل الزراعية التي يحصدونها من المزارع، فهاتين المهنتين برع فيها الأجداد ويجنون منها المال. وبالرغم من كسب العيش القليل إلا أننا كنا لا ننفق الكثير وكنا ندخر منه الشيء القليل لحاجة يومنا الصعب. و أيضا ندخر في أماكن عدة مثل: السحارة (صندوق حديدي يستخدم لأغراض مختلفة منها حفظ المال)، والبعض يدخر تحت سجاد المنزل أو تحت الأرض”.

وتضمنت زياراتي التوقف عند الوالد خلفان الجابري، وقد رحب بي وحياني على الطريقة العمانية التقليدية الأصيلة، حيث أنه دعاني لشرب القهوة في بيته، ومن ثم بدأت الحديث معه وطرحت الموضوع الذي أتيت من أجله، حيث تناقشت معه عن رأيه في ميزانية البيت العماني في الماضي، والتحديات التي واجهتهم؟ وكيف يؤثر انخفاض الاقتصاد على الانفاق المالي؟ وهل كان الإدخار ملموسا في زمانهم؟ وهل يتوجب على الفرد أن يدخر الآن في ظل تدري الأوضاع الإقتصادية؟

حدثني الوالد خلفان قائلا: “يا بني كنا قليلو حلية، وكان ما نكسبه قليلا جدا قد يفي بالغرض أحيانا وبعضها لا. كنا فقط نعتمد على تجارة البحر التي لا تثمر بشكل دائم، وكل ما نكسبه في بعض الأحيان لا يجلب لنا إلا طعام يوم أو يومين، فلم يكن للإدخار داعي لضعف موارد كسب المال. ولكن في بعض الأوقات التي نجني فيها المال الكثير نحتفظ ببعضها لحاجتنا.” وأضاف: “بالنسبة للوقت الحاضر فنرى توافر الأعمال الكثيرة وتواجد أكثر من فرد لديه وظيفة بالبيت الواحد إلا أنهم يشتكون بأن ميزانية البيت (مصروفات البيت) أصبحت لا تكفيهم لتوفير المستلزمات الشخصية.”

وقد نرى ان هناك عدة وجهات نظر مختلفة من قِبل بعض الحديثو الرزواج فالبعض يرى أنه من الأمر الضروري أن ينتهج المرء منهج خاص ينظم به حياته، ويقسم به حاجته للمال على مستلزماته التي تكون جُل اهتماهم ينصب اتجاهها. فهنا حدثني رياض الجابري وهو زميل لي في الشهر الاول من زواجه قائلا :” انه عانى كثيراً من تكاليف الزواج حيث أنه أنفق مالاً كثيراً، ولكنه بحكم استخدامه لمنطق الادخار والانتظام في الانفاق، أصبح ينفق أمواله على حسب خطة انتهجها مع أسرته لكي تكون له الفرصة أيضا لادخار بعض المال لوقت حاجته إليه.”

قليل وإن كثر.
إن ما تشهده البلاد من تعسفات القطاع الاقتصادي وانخفاض مستمر فيه، هذا يدفعنا لكثير من التساؤلات التي قد تشغل فكر المواطن العماني ويصبح معرض لأي من تبعات انخفاض الاقتصاد. تحدثت مع الوالدة رحمة الجابري وهي ربة بيت. حدثتنا عن كيفية تعاملها مع ميزانية المنزل، وما مدى انفاقهم للمال في ظل هذه الأزمة، وهل في حياتهم معنى للادخار قائلة: “نحن في كل مرة نستلم فيها الدخل الشهري نكون قد أعددنا خطة تبقى ثابتة طوال الشهر حيث إن إعدادنا لخطة زمنية تهتم بتقسيم الميزانية لكافة مستلزمات المنزل نكون قد حفظنا لكل ذي حق حقه دون تبذير ولا إسراف.” أما عن الادخار فأكدت:؟ أنه في بعض الأشهر قد تنفذ الميزانية ولا يتبقى لديهم من المال ما يدخرونه ولكن فكرة الادخار لا زالت موجودة في منزلنا”.

وفي هذا الصدد ذكرت الطالبة نعيمة الجابري، أن التدهور في الوضع الراهن للاقتصاد هو ما دعا الجميع إلى اتخاذ وضعية الحيطة والحذر من التبعات التي سوف تنجم من هذا التدهور. ولذلك يجب علينا أن نعي جيدا أننا مسؤولون جميعنا في حال نفاذ ميزانية البيت وسقوطنا في الديون وهي التي تأتي جراء إغفال الفرد لأهمية الإدخار، وانخراطه في الانخفاض المتزايد والذي في بعض الأحيان يصل إلى الإسراف في مجالات قد لا تنفع الفرد وإنما مجرد تسلية ولهو.

هنا قد يتبادر في ذهن كل مواطن، أنه ليس من الحكمة أن يسعى خلف إهدار المال وينفقه في سبيل اللعب واللهو، بل يجب عليه أن يعي مدى أهمية الإدخار في حياته، ويعرف جيدا الفوائد التي سوف يتيحها له الإدخار. لأننا في هذا الوقت أصبحنا نتلقى المشاكل الاقصادية من كل جانب وأصبحنا نعاني من انخفاض في الدخل بفعل انخفاض واردات النفط.
ودعا الإسلام إلى التفكر والتدبير الحكيم في أوجه وكميات الإنفاق والاستهلاك، ويرشدنا رسولنا الكريم إلى فائدة التدبير بقوله “التدبير نصف المعيشة”، ويحذرنا عليه الصلاة والسلام من الجري وراء الشهوات في قوله “إن من السرف أن تأكل كل ما اشتهيته” . ثم إن المسلم مطالب بمراعاة الإنفاق والاستهلاك في حدود دخله وإمكاناته الاقتصادية، فمن حكمة الله عز وجل وتقديره الحكيم أن فضل بعض عباده على البعض في الرزق ويرشدنا عز وجل إلى الإنفاق طبقاً لذلك فيقول سبحانه: “لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها سيجعل الله بعد عسر يسرا” .

هذا الاعتدال رسخه الإسلام في نفوس المسلمين جميعاً إلى جانب البعد عن استهلاك المحاكاة، الذي ينفق فيه الإنسان ليس لسد حاجة، وإنما تقليداً للآخرين، خاصة الأغنياء، فهذا سلوك منهي عنه شرعاً لقوله تعالى: “ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض”، والبعد عن الاستهلاك التفاخري الذي ينفق الإنسان عليه لا لإشباع حاجة وإنما ليظهر أنه أفضل من الآخرين، وتلك الضوابط الإسلامية في الإنفاق والاستهلاك تضبط سلوك المسلم وتحميه من السفه الاستهلاكي الذي يعرضه للاستدانة وتكبيل نفسه بديون لا طاقة له بها وتجلب له الهم والغم بالليل والنهار وتعرضه لعقوبات هو في غنى عنها، خاصة أن سجون الدول العربية تزدحم بالغارمين الذين تورطوا في ديون عجزوا عن الوفاء بها .

وكما وضحت سابقا وبالرغم من أن الحياة كانت صعبة والموارد التي يجنون من خلالها المال شحيحة جدا إلا أن في بعض الأحيان قد يدخر بعضهم المال للأوقات الصعبة، ولكن في وقتنا الحاضر ترى بعض الأسر أنه لا جدوى من الإدخار ولا يهتمون إلا بإنفاق المال لقضاء حوائجهم اليومية بمختلف أنواعها. حيث ذكر لي أحد الاصحاب المتزوجين ويملك أسره صغيرة:” ان من منظروهِ الشخصي ليس للادخار قيمة، ومعللاً بالقول انه يملك عائلة صغيرة لهذا لا يحتاج الى إدخار المال.” بينما البعض يقومون بوضع نسبة معينة من الدخل الشهري أو من فائض المال لإدخاره لأوقات الشدة، وهذا ما يجسده المواطن صاحب النظرة المستقبلية الثاقبة. وأيضا يمكن القول بأنها منجية من الوقوع في المشاكل الحياتية مثل السقوط في الديون.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى