المقالات

الخروج من المعتقل

بقلم: إبراهيم عطا

في صباح ذلك اليوم قمنا باكرا و اغتسلنا وتناولنا الفطور الوفير من الخبز ومربى المشمش، وعند الساعة العاشرة اخبرنا اعضاء الصليب الاحمر بالتجمع عند مدخل ذلك المعسكر، وقاموا بمناداتنا حسب الارقام وذلك لشطب اسماؤنا من قوائم الاعتقال، وفي نفس الوقت اعادوا لنا الاغراض الشخصية التي كان قد اخذها الجنود منا في منطقة الجورة خلال التحقيق الاول…بعدها امرونا بالصعود الى الحافلات من دون ان نحمل معنا البطانيات و الاواني التي كانت لدينا…وقد قاموا بتوثيق ايدينا في الحافلة بعيدا عن عدسات الكاميرات والصحفيين الذين تجمهروا امام المعتقل الاخير لنقل اخبار عملية افراج اسرائيل عن مجموعة من “المخربين العرب”…
في الحافلة جلسنا على المقاعد وعيوننا مكشوفة ولم يطلبوا منا خفض رؤوسنا خلف المقاعد الامامية كما كانوا يفعلون، وعلى وقع الموسيقى و الاغاني العربية انطلقت بنا الحافلة، وصرنا ننظر عبر النافذة ونحن بحالة صدمة واندهاش شديدين، حيث كنا نرى الناس على الطريق من نساء واطفال، وكذلك المزارعين في حقولهم وكاننا نراهم لاول مرة، حتى السيارات والدراجات كانت تلفت انتباهنا وكانها اختراعات جديدة…
وصلنا الى مقر الحاكم العسكري الإسرائيلي في مدينة صيدا، ولم نكن ندري لماذا يتم نقلنا الى هناك ولكن عرفنا عند وصولنا ان الهدف هو اعطاؤنا تصاريح الافراج…
كان المكان مزدحما ويعج بالناس خاصة من النساء اللاتي عرفن بعملية الافراج مسبقا، وقد جئن اما لمعرفة مصير احد اقربائهن او لاستقبال احد المعتقلين…وعند صعودي لدرج مدخل المبنى لمحت اختي عليا وكانت تحمل ابنتها على ذراعيها، فاشرت لها ولوحت هي بيدها، وبعد ان اخذت التصريح وهممت بالمغادرة رايتها بين الجموع وهي تحاول الاقتراب نحوي بينما قام احد الجنود الاسرائيليين بمنعها وابعاد الاعداد الغفيرة المتجمهرة عند المدخل…غير انها اصرت واقتربت، وتعانقنا وبكينا وصارت تسالني عن زوجها وعن بقية المعتقلين من الاهل والاقرباء، خاصة عن محمود ابن عمي وزوج اختي، والذي اخبرتني انه مفقود منذ فترة ومعه جاسر ابن خالي، وقصت علي اخبار العائلة واحداث كثيرة وقعت خلال اربعة اشهر من الغياب…
وعندما انتبهت لثيابي الرثة والجزمة المقطعة طلبت مني ان نذهب لشراء ملابس جديدة كي ابدل ملابس الاعتقال حتى لا تراني امي بذلك المظهر الغريب والذقن الطويلة، غير اني رفضت واصريت على العودة كما انا، وعندما طلبت بدوري منها ان نمر على محل تصوير قريب من المنزل رفضت عليا دون سبب وكانها لا تريدني ان ارى نفسي بتلك الصورة..
اقتربنا مكان سكننا في حي التعمير وكان الجميع قد خرج لانتظارنا على الشارع المقابل للمنزل… وتفاجأؤا بقدومنا من الشارع الاخر وتعانقنا في لقاء حار ومؤثر بكى فيه الجميع فرحا، وحتى والدي الذي كاد يسقط على الارض عندما راني كانت الدموع تنهمر من عينيه ولم يحاول اخفاؤها عني..
دخلنا الى المنزل وانا انظر اليهم وهم يحدقون بي وانا احدثهم عن معاناتنا بينما لا اصدق اني في بيتي بين اهلي واحبتي…
وبعد بضعة ايام جاءتنا رسالة من الصليب الاحمر الدولي وقد استلمتها بنفسي وكانت رسالتي التي تقول “لن اقول لكم كل عام وانتم بخير، ولكن اتمنى ان اقضي العيد القادم معكم”…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى