المقالات

انتصار تموز 2006 م هل خلق معادلة جديدة في المنطقة ؟؟

بقلم:جمال الكندي

منذ أن زرع الكيان الصهيوني في قلب الأمة العربية وهذا الكيان الغاصب يخوض حروبا مباشرة وغير مباشرة مع الدول العربية المحيطة به، وحرب 48 وحرب 67 هذان الحربان كانت الغلبة فيهما لإسرائيل، وتمددت جغرافياً على إثرهما.
أصبح الشعار الإسرائيلي في مجابهة العرب هو “جيش لا يقهر”، ولم تتغير هذه النظرة إلى أن حقق العرب نصر 73 المجيد، هذا النصر أخرج لنا معادلة عسكرية يعلمها الإسرائيلي جيداً، ولأجل ذلك أوجد مع حلفائه معادلة سياسية تخرج مصر والأردن من دائرة الصراع مع إسرائيل باستثناء سوريا، وكان ذلك في التوقيع على اتفاقية “كامب ديفيد ووادي عربه”.
حرب تموز 2006 م بين حزب الله وإسرائيل من العلامات الفارقة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي فنتائج هذه الحرب كانت مزلزلة وقاسية للعدو الصهيوني، وكما يقال ” ما بعدها ليس كما قبلها ” فكانت نقطة تحول في تاريخ الصراع العدو الإسرائيلي، فحرب 73 أعادت الكرامة للجيوش العربية وكسرت مقولة الجيش الذي لا يقهر ، وحرب تموز أظهرت أن بيته أهون من بيت العنكبوت .
نتائج حرب تموز غيرت المعادلة العسكرية مع إسرائيل، فأوجدت أدوات الردع التي تألم إسرائيل، وهي صواريخ حزب الله، هذه الصواريخ خلقت توازن الردع معه، والسنوات الثلاثة عشر التي تلت هذه الحرب أصلت سياسة “الردع الاستراتيجية” بتعاظم قدرات حزب الله الصاروخية التي باتت واضحة عند الصهاينة، ويقوم أمين حزب الله “السيد حسن نصر الله” بالإعلان عنها في مناسبات حزب الله المختلفة، وهذا ما يخيف إسرائيل ويلجمها عن القيام بأي عمل عسكري كبير ضد حزب الله.
حرب تموز كان يراد لها كسر المقاومة اللبنانية وتغير خارطة المنطقة ، وهو ما بشرت به وزيرة الخارجية الأمريكية “كوندوليزا رايس” فهي أول من استخدم مصطلح “الشرق الأوسط الجديد” وذلك في تل أبيب، في يونيو 2006م بدلا من المصطلح القديم ” الشرق الأوسط الكبير “، ولقد قامت الوزيرة الأمريكية مع رئيس الوزراء الإسرائيلي في ذلك الوقت بالترويج لمصطلح ومفهوم “الشرق الأوسط الجديد”، أثناء الحصار الإسرائيلي للبنان الذي حظي بدعم أمريكي وغربي ، فقد صرحت “كوندوليزا رايس” خلال المؤتمر الصحفي بأن “ما نراه هنا (في إشارة إلى الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان)، ما هو إلا آلام المخاض لولادة ‘الشرق الأوسط الجديد’ ويجب أن نكون على يقين من أننا ندفع نحو شرق أوسط جديد ولن نعود إلى القديم .
هذا المشروع يراد منه خلق حالة من عدم الاستقرار والفوضى في المنطقة لرسم خارطة جديدة لشرق الأوسط وفق أهداف أمريكا وإسرائيل الجيوستراتيجية، وطبعاً الذي يعيقها قوى المقاومة والممانعة في المنطقة التي هي في عداء سياسي وعسكري مع الكيان الصهيوني ، لذلك كانت حرب تموز المنطلق لكسر هذه المقاومة بداية من لبنان المتمثل في حزب الله، وبعد ذلك يأتي الدور على البقية فهل نجح المشروع ؟
الجواب كان في الأيام 33 من حرب تموز، فرياح حربها لم تأت كما اشتهت السفن الإسرائيلية والأمريكية، وما بشرت به “كوندوليزا رايس” تبخر بسواعد رجال حزب الله، ومن كانوا يدقون طبول الحرب ولا يريدون وقفها حتى إنهاء هذا الحزب المقاوم من الخريطة الوجودية يصرخون بعد 33 يوم يطلبون وقف الحرب، فقد ذكر السيد “حسن نصر الله” في احتفالية يوم نصر تموز 2019 م نقلاً عن مسؤول عربي لم يذكر اسمه قوله أن ” جون بولتون” وهو كان سفير الولايات المتحدة الأمريكية في الأمم المتحدة في ذلك الوقت، والرجل يصنف من صقور الإدارة الأمريكية قال لمسؤول عربي : “لا تتعبوا أنفسكم لأنها لن تقف أي الحرب ضد حزب الله إلا بسحقه أو بتسليمه لسلاحه”، لكن على مشارف نهاية الحرب جاء المندوب الإسرائيلي يطلب وقف الحرب بأي ثمن ونفس الطلب عاد وطلبه “بولتون” وقال لابد لنا من وقف الحرب فقال له المسؤول العربي “هل سحق حزب الله؟ قال لا قال هل أستسلم؟ قال لا ولكن إخواننا في تل أبيب لا طاقة لهم على الصمود أكثر في هذه الحرب .
من هذه الحادثة رسمت معادلة جديدة في المنطقة، ولكن ليس كما تريدها “كوندوليزا رايس”، بل كما يريدها من يملك عقيدة الدفاع عن الأرض، وله قضية يحارب من أجلها ، واليوم نجني ثمار حرب تموز، فلو فرضنا جدلاً أن حزب الله انهزم فيها وسحق كما يقول “بولتون” لكنا اليوم نعيش العصر الصهيو أمريكي بكل أشكاله السياسية والعسكرية والاقتصادية .
إن فشل أمريكا وربيبتها إسرائيل في هذه الحرب هو الذي أوجد عند الإدارة الأمريكية وحلفائها فكرة (الجيش البديل) في محاربة قوى المقاومة والممانعة، وهي القاعدة وأخواتها اللاتي فشلن كذلك في سوريا والعراق ولبنان.
اليوم حزب الله خلق معادلة جديدة في المنطقة بعد حرب تموز 2006 م أجبر فيها الجيش الإسرائيلي على تغيير استراتيجيته في المجابهة العسكرية معه مفادها وجود توازن ردع نسبي بينه وبين الحزب ، هذا يعني أن قدرة حزب الله في تحقيق إصابات دقيقة وحساسة في جغرافية العدو باتت واضحة، تُقرأ عند السياسيين والعسكريين الصهاينة قراءة دقيقة، وهذا بدوره أدى إلى الهدوء العسكري في جنوب لبنان، لتعرف إسرائيل ثمن أي تصعيد عسكري كبير ضد الحزب، وهذا هو التعريف الأمثل لتوازن الردع الاستراتيجي ، وهو من منجزات حرب تموز 2006م التي وباعتراف الإسرائيليين غيرت جذرياً التعاطي عسكرياً مع حزب الله ، وقوة الخط السياسي والعسكري لقوى المقاومة والممانعة في المنطقة .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى