المقالات

كفاءات منسية!

بقلم :غنية الشبيبية

أمسكت ورقة الموافقة واحتضنتها بين كفيها كمن ظفر بكنز عظيم وقد انفرجت أساريرها عن ابتسامة رضا بينما تفاصيل وجهها تشي بأريحية عميقة وسعادة غامرة.
مشهد يتكرر كثيرا لدى ثلة من المعلمين والمعلمات الذين أقدموا على خطوة التقاعد وهي لا شك خطوة محورية تليها تحولات جليلة تنصهر تجلياتها في بوتقتين : الأولى حياة المعلم المتقاعد نفسه وما يطرأ عليها من تغييرات بعد التقاعد، والثانية تأثير قرار تقاعد أعداد كبيرة من ذووي الكفاءة على سلك التعليم وعوالمه الواسعة.

أما حياة المعلم بعد ولوجه عالم التقاعد فهي مسألة شخصية تختلف من متقاعد لآخر، فالبعض يراه فرصة سانحة لممارسة هواياته التي طمسها ضيق الوقت و تكدس الاهتمام بمهام العمل والتدريس ومسؤولياته الشاقة، بينما يراه البعض مجالا رحبا يتنفس به نسيم الراحة بعد رحلة عطاء مضنية.
وهكذا تتنوع الوجهات وتتباين بتباين أصحابها.

أما الجانب الآخر وهو ما يمس مهنة التعليم فإن الحديث فيه ذو شجون؛ فهؤلاء المعلمون الذين رفعوا راية التقاعد يمثلون الفئة الأكثر خبرة ودراية بتفاصيل التربية و طرق التدريس و التعامل مع الطلاب باختلاف أعمارهم و قدراتهم وثقافاتهم وهذا منطقي جدا… حيث أن مهنة كالتعليم تعوزها الخبرة قبل كل شي؛ فمهما حصل صاحبها على مختلف الدورات والشهادات العلمية تظل الخبرة على رأس القائمة.. وخبرة هؤلاء لا خلاف عليها فمن يمارس المهنة عشرين عاما أو يزيد، فلاريب أنه قد أتقن تفاصيلها حد الارتواء.

والسؤال الذي يجول بخاطري : ترى ما المصير الذي ينتظر تلك الخبرات بغض النظر عن توجهات أصحابها بعد التقاعد؟!
ألا يجب أن نفكر قليلا في لملمة شتاتها وخلق كيان منفرد لها تستظل تحته؟!
ألا يجدر بنا أن نبعث تلك الخبرات إلى الحياة من جديد و نحميها من اندثار متربص؟!
إن إنشاء نقابة أو جمعية خاصة بالمعلمين المتقاعدين هو الحل الأنسب من وجهة نظري، فمثل هذه الجمعيات ستعمل على الاحتفاء بهم و احتضان خبراتهم و صقلها والاستفادة منها، وذلك بآليات مختلفة يتم الاتفاق عليها من قبل المعنيين و المسؤولين عبر برامج متنوعة وزيارات مستمرة لميدان التعليم.
والمسألة على أية حال اختيارية في المقام الأول ولا يجبر أحد على الانضمام إلى هذه الجمعيات إلا من ابتغى ورغب في ذلك.

أما أن تترك تلك الكفاءات والخبرات لريح النسيان تعبث بها كيف تشاء، فهذا ليس من حسن التصرف مطلقا… لاسيما أننا نعايش بعض التخبط في واقع التعليم.. فنحن في حاجة ماسة إلى احتضان تلك الكوادر ونثر أريج عطائها في كل زاوية من زوايا السلك التعليمي، ونقل أثرها إلى المعلمين الجدد.

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. طرح جميل حقا…ومقترح سيكون في محله لو تم النظر إليه كمن يحفظ تلك الطاقات الحية في قالب ثمين من شأنه أن يحدث تأثيرا في خطوات المستجدين وغيرهم….

  2. راقت لي كل كلمة فى مقالة أ.غنية الشبيبي..بالفعل تحتاج هذه الكفاءات لمثل هذه المبادرة ولمثل هذه الخطوة الجبارة… فمن يعلم لربما نتج عنها ما يرفع من مستوى بعض الأفكار وينميها لخدمة المجتمع…بوركت أستاذتي الفاضلة وعسى قريبا نجد من يحتضن هذه الفكرة وترى النور.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى