عمانيات

هل سيتحول الإعلام العماني إلى إعلام دولة ؟

وهج الخليج-مسقط
تحقيق: حمده المشيخي

وفي الوقت الذي تتزايد أهمية دور الإعلام في الحياة المعاصرة للمجتمعات والشعوب فإنه لمن الضروري العمل على تطوير الإعلام العماني ليؤدي رسالته في تنمية قدرات المواطن وتوعيته بدوره الأساسي في بناء وطنه ، وليساهم كذلك في توطيد علاقات الصداقة والتعاون مع الأسرة الدولية .
امتلاك الحكومة العمانية لأجهزة الإعلام العماني لابد منها وهي في حاجة ماسة إليها لا جدال فيها ، لتحقق الكثير من الأهداف ، كشرح وتوضيح سياسات الدولة والاطلاع على الرأي العام ومعرفة الوقائع الداخلية والخارجية . ومن تكنولوجيا الأجهزة الإعلامية الحديثة أو المتطورة ورغم تأثيرها المعروف فإن لها حيزا من الفراغ تتصارع فيها أدوار الوسائل الإعلامية بين مصالح الحكومة والشعب بين التأييد والمعارضة . وهنا سوف نرى جوانب من إعلامنا العماني المتعايش والمعاصر لنصل إلى المبتغى والمعرفة فيما إذا كانت أجهزة الإعلام العماني لاتزال مسيطرة من قبل الحكومة أم إنها تحولت إلى إعلام دولة مثل مانراه في الدول الأخرى .

الإعلام اليوم الثقة والشفافية .
تبدأ بالحديث فاطمة الهنائية– ناشطة حقوق _ بالحديث عن مدى الوضع أو الرضى الإعلامي على المستوى الإقليمي أو المحلي ، فتقول بكل صراحة بأنه غير مرضي على الأطلاق ; فهو يواجه فقرا شديدا من جانب فقدان الثقة والشفافية لدى المتلقي ،وغياب روح المنافسة في نقل الخبر;ولهذا لجأ معظم المهتمين والمتابعين في الشأن المحلي إلى العالم الافتراضي بحثا عن القضايا التي تخص حياتهم اليومية ، وتطرحها وتناقشها بكل شفافية ووضوح تام دون حاجة الى سماع صوت ورأي واحد ، وهو صوت الإعلام الرسمي ، بعدما وجدت مصادر آخرى للمعلومات، ولهذا السبب نرى في العالم شخصيات عديدة لهم شعبية وكسبت الثقة في نقل الخبر، ومن المساوئ والمشاكل التى نعيشها في العصر الحالي هي سرعة انتشار الشائعات وتهويل الخبر عند الخبر بدون الاعتماد على مصادر موثوقة. وتضيف عليها سلوى البلوشي _ صحفية بجريدة الشبيبة _ : ” يحتاج الإعلام المحلي إلى إعادة نظر وإعادة هيكلة في كافة أنواعه ، المقروءة والمسموعة والمرئية ليتواكب ويتأقلم مع العصر ومع المراحل والفكر المتطور التي يعيشها الفكر بشكل عام وفكر الشباب بوجه خاص ،الأمر الذي يجب إعادة النظر فيه هي وسائل مخاطبة الشباب وعقولهم المنيرة عن طريق الوسيلة الفعالة في المجتمع وهي الإعلام ،ولايكون بذلك إلا بضخ دماء شابة مبدعة في الفكر والوسط الإعلامي ،الأمر الذي سيسهل لغة الحوار والمخاطبة بين الإعلام والمجتمع هي القيادات العليا” . وعن رضاها تجيب البلوشية : ” الرضى متوسط ولأباس فيه إلى حد ما ، ولكن قد تكون صناعة الصحافة غائبة في الكثير من الأحيان ; وذلك لأسباب عديدة ، ربما إعادة صياغة قانون المطبوعات والنشر سيسهم في تطور الإعلام المقروء خلال المرحلة القادمة”.
أما الدكتور عبد الرزاق الربيعي _ عمل سنوات في مجال الصحافة العمانية _ فيقول : أن التطور أو النقلة التي حصلت في الإعلام العماني تعني أن الإعلام العماني يخطو خطوات واثقة نحو تحقيق إنجازات جديدة على كافة الأصعدة ، مستفيدا من خلال إطلاعه على تجارب متقدمة في وسائل الإعلام العربية والأجنبية ، وهذه النقلة تحتاج إلى الاستمرارية ،فمقابل الخطوة الواحدة التي تقطعها الصحافة العمانية يجب أن نضع ببالنا أن هناك خطوات تقطع في عالم متسارع”.

القيود حاضرة كحواجز:
عندما نتحدث عن القيود الرقابية والتى تقلل أو تحد من حرية التعبير فتقول البلوشية : “الحرية لا زالت موجودة ولكنها لم تعد كالسابق ، لكن للأسف الشديد فقيود الصحافة أصبحت مزروعة في عقول عدد من الكتاب الذين هيؤا لأنفسهم قيودا وخطوطا حمراء لايستطعون تجاوزها أو حدودا لا يستطعون إجتيازها ، وإذا كانت هناك مبادئ لحرية التعبير عن الرأي والأفكار متاحة لهم ، لابد من وجود عوائق أو قيود تحد من حرية التعبير في ظل أو تحت سيطرة وجود الإعلام المؤسسي وغياب الوضوح والشفافية وعدم التعاون والتكافل مع الصحفيين للحصول على المعلومات بطريقة قانونية وشرعية . وبكل شفافية الهنائية توافقها في الرأي مؤكدة على وجود العقبات أو العوائق الرقابية والتى أطلقت عليها بالشديدة والأقل شدة قائلة :” تقع هذه القيود عند حدوث الأزمات ، فمثلا خلال أحداث فبراير 2011 أو بما يسمى بفترة الربيع العربي حيث لمسنا قيودا شديدة لجميع وسائل الإعلام المحلية ، وإختراق لمنتديات مثل منتدى الحارة العمانية وأيضا تم إختراق العشرات من المواقع الشخصية للناشطين والمدونين بمواقع التواصل الاجتماعي التي أصبحت عليها الاعتماد الأكبر أو كمصدر أساسي لتلقي المعلومات ولأجل سماع وتبادل الآراء دون تعرض لقطع الخبر أو تمريره بالقص أو حذف أجزاء المونتاج . كما تضيف أيضا أن هذا الأمر تسبب في خلق مشكلة كبيرة بين أجهزة الإعلام والمواطن مما سبب عزوف أو ابتعاد الكثير من الشباب عن متابعة الإعلام الرسمي حيث تقول: ” للأسف الشديد يكون المواطن هو من يدفع الثمن في الأخير فمثلا قبل حدوث إعصار جونو لم يصدق العديد من المواطنين الإعلام الرسمي التي أعلنته وسائل الإعلام عندما قامت بالأعلان عن حالات الأنذار والطوارئ وبإخلاء المنازل والذهاب إلى الأماكن أكثر أمانا للأسر نظرا لخطورة الوضع . وفي المقابل أدى هذا التجاهل من قبل الرأي العام إلى ارتفاع عدد الوفيات و التي من وجهة نظري تفوق بشكل كبير العدد المعلن في الإعلام الرسمي. ولقد تكرر ذات الأمر عند تغطية الإعلام الرسمي الأخير لقضية سجناء الرأي بحيث لم يكن بمستوى الحدث مما تسبب بظهور اجتهادات فردية أو محاولات من البعض بنشر الأخبار في وسائل الإعلام الخارجي الذي أصبح إحدى المصادر الموثوقة والأكثر قبولا خصوصا لدى فئة الشباب”.

الحرية وصناعة السلطة الرابعة :
منهج أو مبدأ السلطة الرابعة في الصحف العمانية يتحدث الربيعي :” من السهل والممكن تحقيق الصورة الصحيحة وذلك من خلال خلق وصنع مكانة مناسبة ولائقة ونوع من الرقي للعاملين في الإعلام ،وأن تكون الكلمة مؤثرة ولها دورها ومساهمتها الفعاله في تحريك الأفراد والجماعات في المجتمع في صنع واتخاذ القرار،وإذا لم يكن هناك نوع من التأثير لا يمكن أن تكون لها سلطة . في حين ترى :”الهنائية أن هذا المبدأ لايمكن أن يتحقق إلا من خلال كسب ثقة المتابع والمواطن وذلك عبر نقل الخبر بكل شفافية تامة وإعطاء ومنح الإعلام حق الصحافة و الاستقلالية عن المؤسسات الرسمية “. وتضيف البلوشية :”لابد للأعلام أن يكون سلطة رابعة فعلا لا قولا على ورق أو على شاشات وسائل الإعلام وعندها يكون قادرا على أن ينتقد سياسات الحكومة ، وأيضا الأخذ باقتراحاته عندما يخاطب فيه مجتمعا ، فيكون هنا الإعلام دور الوسيط والشريك في الوقت نفسه يجب أن يكون الإعلام صديقا للمجتمع لا عدوا ويعمل على تقريب وجهات النظر بين الحكومة والشعب “.​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​
ومن جانب آخر وبالحديث عن الحرية الإعلامية التي تتمتع بها أجهزة الإعلام العماني يؤكد سعادة علي بن خلفان الجابري _ وكيل وزارة الإعلام_ على أن الإعلام المحلي يملك سقفا واسعا من الحرية ، ويضيف سعادته :”الصحفيين في عمان يمارسون عملهم بشكل طبيعي وبدون خوف أو ضغوط وهذا يكمن من خلال مايكتبه الصحفي من أخبار وتحقيقات ، ومقالات تتناول مواضيع محلية بالنقد والتحليل بطريقة مهنية وموضوعية ، ونحن نشدد على المصداقية في المهنة الإعلامية بكافة أنواعها وأشكالها لكي نكون في الصورة الواقعية”. من ناحية أخرى يقول يوسف الهوتي_ المستشار الإعلامي بالهيئة العامة للأذاعة والتلفزيون _ إن الإعلام التقليدي يواجه منافسة شرسه وقوية من الإعلام الإلكتروني أو إعلام المواطن ، ولذلك فإننا نلاحظ أن الحرية في الإعلام التقليدي ارتفع بكم هائل بما في ذلك الإعلام الرسمي ، ومن خلال هذا الأمر يحتاج إلى وقفة صريحة وإعادة النظر ودراسة هذه الظاهرة في العالم العربي بشكل مكثف حتى لانكون في واقع نندم عليه .

الاعلام العماني يواجه متطلبات وقضايا المجتمع :
بالحديث عن المسؤولية الموكلة لأجهزة الإعلام العماني حول الاهتمام بقضايا المجتمع وتسليط الأضواء على مطالب الرأي العام والسعي لاكتشاف منبع الفساد والقضاء عليه أو محاربته يتحدث سعادة علي الجابري :” لاشك ونعتقد أن إعلامنا قائم على ذلك ، وخصوصا في مايختص بمتطلبات المجتمع ، فلقد استطاعت وسائل الإعلام العمانية التعامل بمهنية مع ذلك ، والمطلوب من المجتمع أكبر دور متوقع في هذا الشأن ، أما مايختص بمحاربة الفساد والقضاء عليه فهي مهمة صعبة لكنه واجب وتوجه وطني رغم صعوبته ، والمطلوب تعاون وتكافل جميع الجهات من أجل ذلك فنحن دورنا حذر ومراقب وراصد في مرحلة نشر الأخبار والتوصل إليه ، لكنه دور نشط مكمل للأدوار وداعم أساسي لها .

ويبدي رأيه ابراهيم العزري _ مدير الأخبار بالهيئة العامه للإذاعة والتلفزيون _ “يقول أن الفساد أصبح آفة تقضي على مقدرات الشعوب ، والإعلام العماني يقوم بدوره في محاربة هذه الآفات وكشفها وفضحها أمام المجتمع وهذا الأمر يحدث بصورة يومية وللإعلام دور أساسي ومهم في الكشف عن الكثير من قضايا الفساد وتقديم أصحابها للعدالة القانونية “.

تطوير أجهزة الإعلام العمانية :
لكي يصبح الإعلام العماني إعلاما أكثر انفتاحًا وتطورًا تقول ناجية البلوشي :” أن الانفتاح والتطور وحرية التعبير الإعلامي عن الرأي هي ليست قول ما يحلو لنا وإنما هو القول المنطقي والعقلاني المسؤول الذي لايقصد أو يستهدف أشخاص معينين قدر مايكون مستهدفًا للتطوير والتغيير،وتقول أيضا إلى أن هناك إمكانية كبيرة ونظرة إيجابية لمستقبل أفضل للإعلام العماني لكن ذلك لايأتي إلا بتعاون وتكاتف الجهات المختصة كوزارة الإعلام والمؤسسات الإعلامية الخاصة وجمعية الصحفيين وغيرها من الجهات ذات الاختصاص في تشكيل أو صناعة إعلام يتقارب مع فكر الشباب العماني ويسعى في تلبية طموحاته”.
ويضيف الهوتي :”لتطوير من مستوى الإعلام العماني هي حاجة لابد منها ومستمرة يجب أن لاتتوقف حيث إنها تندرج تحت اكتشاف المواهب الإعلامية والتدريب وصقل المهارات وبناء القدرات وهذه أمور نحن نعمل على تحقيقها وفق نظم وخطط مدروسة ، حيث أن إكساب المهارات للإعلاميين هي أساسية لدى الهيئة العامة للأذعة والتلفزيون لأنها نقطة البداية للتطوير ،ونحن واثقون بأن اتجاه التغيير سيشكل قيادة جيدة للإعلام في المرحلة القادمة من العمل الوطني مما سيحقق للمجتمع المشاركة في صنع القرار والرأي والإلتزام بآليات العمل الحقيقية” . وبما يختص في تطوير الإذاعة والتلفزيون يشير العزري :” إلى أنهما يتجهان إلى مرحلة هامة من نظام التطوير مثل الانتقال إلى النظام المتطور في البث فائق الدقة والجودة HD ، الذي يعمل في تحسين جودة البث المباشر وغير المباشر، يرافقه تطوير المحتوى من البرامج الإذاعية والتلفزيون وانضمام طاقات وكوادر شابة في الحقل الإعلامي”
فيما يختص بتفعيل إعلام الدولة يقول العزري :” تفعيل إعلام الدولة قائم ، والمطلوب تعاون الجهات المعنية والمؤسسات بكافة أنواعها وأشكالها والتصريح بالمعلومات الحقيقية ، وتدريب وتأهيل الطاقات والكوادر الإعلامية لكي تكون قادرة على مواكبة مراحل التطور”. في حين يؤكد الهوتي:”على أن الإعلام العماني تحول بكل ثقة إلى إعلام دولة مشيرا إلى أن المواطن أصبح الركيزة الأساسية في نشاطنا الإعلامي ، وتسعى كل الجهود نحو إسعاد المواطن وطرح قضايهم” ويضيف:” كما أن الإعلام يسعى إلى بناء الوطن ويستشير أو يأخذ برأي المواطن في الحوار والمناقشة بما يعزز بروح الافتخار بالمواطن والوطن لدى الإنسان العماني والدفع به نحو النفع والإنتاجية وخلق الأجواء التنافسية بين الشباب وتكريم المجيدين والمبدعين منهم بإبرازهم في وسائل الإعلام المختلفة لبناء قدراتهم في التواصل والحوار الأدبي والتفاعل وصولا إلى وطن راقي بمستواه الفكري “. ويشير الجابري :”بأن خطوات هذا التحول قد بدأت إلا أننا بحاجة إلى جهد أكثر لتوصيل هذا المعنى والمفهوم للجميع ويقول:” نحتاج للتفهم في هذا الجانب وتدعيمه الذي يتم من خلال النقد الهادف لكافة أوجه العمل الوطني متى ما وجدنا أن المسار يحتاج الى تصحيح في أي مؤسسة من المؤسسات الوطنية ، وأن يكون هناك تفهم من الطرف الآخر ، لأن السير في طريق يخالف توجهات الناس وتناول ما يهم حياتهم هو توجه لا يخدم الإعلام ، ويجعل من مقدرته على الوصول برسالته أمرا بالغ الصعوبة؛ لذلك فهناك تحول واضح في المضمون مع عدم إغفال الدور الوطني لوسائل الإعلام والذي يحقق المصالح العليا للوطن ويسهم في صيانة أمن الوطن واستقراره والحفاظ على هيبته وتماسك نسيجه الوطني”.

بلا شك، نحن لا ندعي أننا وصلنا إلى الكمال في الإعلام العُماني كما ذكرت، فهو يحتاج إلى تطوير وإلى الكثير من برامج التدريب والتأهيل للكادر البشري، وهو يحتاج أيضاً إلى الاعتماد على الشباب العُماني لتمثيل قضاياه بشكل عام. لكننا أيضاً نقول بأننا في الإعلام العماني نكمِل المسيرة والتجربة، لا ندَّعي أن كلّ ما كان هو خطأ ولم يتم شيء، بالعكس، عُمان عبر إعلامها في المراحل الماضية قدمت عطاءات، لكن دعونا نلتفت على ما هي عليه الآن، من واقع يستلزم علينا التطوير فيما هو موجود. العالم وكما ذكرت يشهد «أزمات إعلامية»، وإذا لم نكن قادرين على الحضور والتواجد في ذلك المشهد، والإنفاق على الإعلام لتمثيل دولنا، فسيبقى هذا الإعلام خارج الخارطة. هناك الكثير مما يُمكن أن يُقدَّم في الإعلام العُماني، ونحن على ثقة بعدد كبير من إعلامينا على مختلف الأصعدة، ونعتقد أننا أيضاً بحاجة إلى مزيد من التطوير والتحديث والتأهيل. ونحن بحاجة كذلك للتعبير عن حاجاتنا وقضايا مجتمعاتنا بطريقة جديدة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى