المقالات

هدايا المخيم القاتلة

بقلم: إبراهيم عطا

نعم، ما زال المخيم بكامل تفاصيله من بؤس ورعب يتغلغل في كل اجزاء كياني، وما زال الطفل المذعور بداخلي يحلم بالعيش بامان وسلام دون ان تلاحقه كوابيس الخوف الناتجة عن الغارات الاسرائيلية وصوت طيران الموت والدمار، خاصة ذلك الحلم الغريب الذي لا يمحيه مرور الايام ولا طول السنين، فقد كنت اغط في نوم هو ليس بالعميق لان اصوات الطائرات في تلك الليلة لم تكن تتوقف… كنت انام على ظهري على فرشة الصوف الملقاة على الارض وعيناي تحدقان في سقف الغرفة المصنوع من الواح الزنك او الزينكو كما كنا نسميها… وكنت اشعر بخوف شديد وكان يزداد كلما اشتد هدير الطائرات ومعه صوت انفجارات الصواريخ التي تلقيها على بيوت المخيم والناس نيام. وفجاة رايت طائرة تخترق سقف الغرفة وصارت تتجه نحوي كالوحش الكاسر، فصحوت مذعورا وغير قادرا على الصراخ او الكلام…
العابنا في المخيم كنا نصنعها بايدينا او نبحث عنها في اكوام النفايات بالمناطق القريبة، اما الطائرات فكانت تلقي على المخيم العابا ودمى مفخخة و انواع من الحلويات الملونة المسممة، لذا كان الكبار يحذروننا من اخذ اي شيء من على الارض مهما كان…
ولكن في مراحل لاحقة صارت الطائرات الحربية تلقي لنا العابا من نوع مختلف، قنابل عنقودية وعليها رسومات كالعيون على شكل راس حيوان اشبه براس القطة، وقد وجدنا العديد منها انا واخوتي واصدقاء لنا في المناطق الجبلية المجاورة للمخيم حيث كنا نذهب لنرعى المواشي لابي الذي كان يعمل جزارا بالمخيم. كنا نحاول تفجير القنابل من خلال اشعال النار حولها لاننا لم نكن نتجرأ على الاقتراب منها، غير ان صديقنا وليد اخذ قنبلة بيده والقى بها على صخرة قريبة منا فانفجرت محدثة دويا و وميضا ما زلت اراه في عيوني حتى اليوم، بينما عرفت لاحقا ان احد الاصدقاء واسمه موسى قام بجمع عدد من القنابل وقد التم حوله العديد من الاطفال محاولين فتحها بالضرب عليها بالحجارة مما ادى الى انفجارها فبترت ذراع موسى وقتل احد اقربائه واصيب اخرون…
وقد يستغرب البعض ان اكتب عن طفولتي ومعاناتي في المخيم في خضم الاحداث والمتغيرات المتسارعة في المنطقة، مثل زيارة الدكتاتور الامريكي المستفزة الى العراق “المستقل” وبداية تقارب الاخوة الاعداء مع سوريا “الجريحة”، وهناك ايضا الوضع المتغير في اليمن “السعيد”، وفلسطين الحاضرة “المغيبة” عربيا ودوليا…ولكني على يقين من ان طفولتي بالامس هي طفولة محمد وعلي وبثينة وخالد في العراق وسوريا واليمن وليبيا، ولكن الفرق ان الطائرات والصواريخ التي ترعبهم اليوم وتحولهم الى طفولة معاقة هي طائرات عربية، اما هدايانا القاتلة فكانت صناعة اسرائيلية غربية ملونة بصمت عربي ما زال مدويا حتى الان…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى