عمانيات

بما أننا عرب لماذا لا نأخذ العلم بالعربية؟

وهج الخليج-مسقط

تحقيق: أسعد اليعقوبي، وحمد الشعيلي، وسالم الوهيبي، وقصي الرحبي

هناك من يؤمن أن تعريب المناهج عامل مساعد في تعجيل عملية فهم الطالب وآخر يرى أن استقاء العلوم من لغاتها الأم أنفع وأجدى، يدور هذا التحقيق فيما بين هذا وذاك مستعرضا ما ترتكز عليه وجات النظر هذه مختتما بمحور جوهري يخص قضية النهوض باللغة. فهل لغتنا ستحملنا إن حملناها؟ وهل الشعور الحقيقي بالانتماء للعربية سيساهم في نهوضها من جديد؟ عدة تساؤلات كهذه يطرحها الإنسان العربي في خضم الشراهة العلمية وتنافس اللغات في تصدير العلم.

اللغة والتعريب

اللغة على أية حال؛ هي الأم المعنوية لكل إنسان في هذه الأرض، لأنها تخرج مع المولود حين يخرج من بطن أمه، فهي قرينة أساسية من مكونات الفرد البشري في كل زمان ومكان. بديهيا؛ أي انسان تربى على لغة معينة ستكون تلك اللغة مصدر الارتياح والسلاسة في فهم معطيات الحياة والعلم. التعريب مصطلح فيه عدة معاني تفسره وقد يقارب الترجمة؛ يشير مصدر بحوث على أنه يحمل أوجه عدة في مفهومه، منها هو إعادة صياغة الاعمال والنصوص والعلوم الى شيء من التصرف في المعنى والتركيب بحيث تتلاءم مع الثقافة العربية، هناك معنى من معانيها هو أن يتم تحويل المنهج التعليمي في المدارس والكليات وجعله معربا بحيث تصبح اللغة العربية لغة التأليف في المؤسسات العلمية. فبالمجمل العام هو تأطير المنصوص باللغة الأجنبية وتحويله الى نص ذو لمسة عربية.

واقعية التعريب
هل هو واقعي ومنطقي أن تدرس العلوم باللغة العربية؟ بالطبع نتحدث هنا عن الواقعية في نطاق المجتمع العربي، هل اللغة العربية تتحمل ذلك الان؟ هل حقيقة ما يواجه الكثير من الطلبة ككابوس يؤرق مضجعهم من النصوص المكتوبة بالإنجليزية في تحصيل فهمها واستيعابها على نحو جيد؟، هنا نستطرد نموذجين وهما عبارة عن تجارب تتعلق بالمسألة اللغوية وعلاقة التحصيل الدراسي باللغة الأم؛ ذكر في كتاب ” اللغة والتعليم ” الذي شارك فيه مجموعة من الباحثين وقام بتحريره الدكتور قاسم شعبان عميد سابق بقسم اللغة الإنجليزية بجامعة بيروت الامريكية.
النموذج الأول: العلاقة بين اللغة الام والتحصيل الدراسي؛ في هذه الدراسة قام ثلاثة من الباحثين بمقارنة استيعاب الطلبة للمفاهيم العلمية؛ فوجهوا أسئلة مماثلة لمجموعة من الطلاب الاستراليين ومجموعة من الطلاب الهنود في المرحلة الثانوية وطلبوا منهم الإجابة باللغة الام، والنتيجة كانت عدم وجود فارق كبير بين الإجابات وهذا دليل تقريبي لعدم وجود رابط بين التعلم باللغة الام وبين استيعاب المفاهيم.
النموذج الثاني، شارك في الاختبار مجموعة طلبة من ماليزيا واسكتلندا، فيما يتعلق بمحتوى المادة العلمية وطلبوا منهم ان يجاوب كل واحد منهم بلغته الام؛ فالنتيجة أن الطلبة الماليزيين تفوقوا على طلبة اسكتلندا في تحديد المحتوى في الموضوع العلمي، كما أورد ذلك د. توفيق السيف في مقاله عن واقعية اللغة. هل تعد هذه إشارة على أن التعلم باللغة الام أجدر من غيرها من اللغات وعلى رأسها الإنجليزية!؟
اللغة العربية لغة واسعة المعاني والمركبات وهي في غنى عن التعريف في قوتها وصلابتها وأكبر دليل على ذلك كما يشير الأستاذ المساعد في اللغويات بقسم اللغة الإنجليزية بجامعة السلطان قابوس د. حسين شقير؛ على أن ثبات اللغة العربية على مدى القرون الطويلة مؤهل كبير لها لأن تحتضن العلوم! بخلاف اللغة الإنجليزية التي هي الان محور العلوم والأبحاث في العالم، فإنها تبدلت وتغيرت في تراكيبها عقودا وقرونا طويلة في الزمن. الباحث الدكتور عدنان إبراهيم يصف اللغة العربية دهشة وتعجبا عن مدى قوة اللغة العربية من حيث الكلمات مقارنة باللغات الأخرى؛ أن اللغة الروسية تحوي 130الف كلمة في معجمها، اللغة الفرنسية تتوفر على 150الف كلمة، الإنجليزية من 400 ألف الى 600 ألف كلمة، بينما اللغة العربية فتحمل في معاجمها حوالي 12مليون كلمة و300 ألف! واصفا إياها بأنها ليست بنت الامس وإنما تحمل من العراقة والاصالة والصلابة ما يشهد على عظمتها وثقلها.

نهوض اللغة
الدكتور توفيق السيف، الباحث السعودي في معرض مقاله عن اللغة، يقول في معرض كلامه عن مصطلح “توطين اللغة”؛ ” لا أظن أحد يماري في توطين العلم والتقنية، رهن باندماجهما في النسيج الثقافي والمحلي ولا أحد يشك في حقيقة اللغة العربية بما بها من معان وتعبيرات ورموز تشكل جزءا من ذهنية الانسان العربي، ومن هذه الزاوية تعد اللغة العربية جزء من أداة التفكير في العالم العربي “.، موضحا. أن ترسيخ الجهود لي توطين العلم وما يترتب عليه من تقنيات بحيث تشكل قاعدة أساسية للنهوض بالاقتصاد، وأيضا من خلال فتح مساحات واسعة الحرية للمفكرين والمبدعين والمخترعين والفنانين للتعبير عما يدور في عقولهم والذي بدوره يسهم في نهوض اللغة وانتاجيتها وتعزير الثقافة العامة المنفتحة على العلم ولا تكون مقتصرة على النخبة وإنما على عامة البيئات الاجتماعية في الوطن العربي، وهذا بدوره يساعد على تعزيز اللغة في البلد.

عتاب قومي!
” أنا مع التعريب رغم أني مدرس في قسم اللغة الإنجليزية!”، هكذا علق د. حسن شقير في موضوع التعريب؛ ويكمل حديثه بأن اللغة الام هي الأساس لتعلم أي علم من العلوم وفهمه. لماذا يدرس الأستاذ في قسم الفيزياء باللغة الإنجليزية ثم يعمل في المدرسة باللغة العربية! أليست هذه ازدواجية تسبب شرخ في إنهاك اللغة العربية؟، التقصير من أصحاب اللغة هم سبب خذلانها واضعافها، لماذا لا نستعمل لغتنا في تعاملاتنا؟” أي شيء ما بتستعمله رح يموت “، استعمال اللغة العربية لا يتنافى مع تعلم اللغة الإنجليزية ولكن المشكلة هي أن توضع اللغة الإنجليزية هي الأساس.. لماذا نصرف الأموال الطائلة لأولادنا للتعلم اللغة الإنجليزية بينما العربية لا تعطى الأهمية والاولوية. التحدث عن المقومات التي تنهض باللغة العربية لا حاجة لنذكرها كلها، نريد شيئا واحد وهو احترام لغتك التي تتعلق بالوطنية والهوية العربية؛ فاحترام النفس مقرون باحترام اللغة! لماذا لا نتخلص من عقدة النقص والانهزامية؟ الجرأة في التحدث بلغتك الام وعدم الحياء منها هو بداية الانطلاق لنهوض اللغة العربية.” خلي لغتك جزء من حياتك “. هكذا كان استنكار د. حسين شقير.

رأي آخر
يرى د. محمد زرّوق أستاذ مساعد في الادب ونقده بقسم اللغة العربية بكلية الآداب بجامعة السلطان قابوس، اللغة العربية قاصرة الان على احتواء واستيعاب المفاهيم الدقيقة في العلوم الطبيعية، فاللغة العربية الآن ليست أمة علوم فهي ليست قادرة على احتواء المستحدث من المفاهيم. يوضح د. زروق أن النماذج العربية من الجامعات في التعريب مخرجاتها لم تصنع شيء ولك يكن لها أثر؛ فالتعريب شكلا غير مجدي لأنه كي يكون مجديا لا بد أن يسبقه تطوير العلوم؛ العمق في التعريب يجب أن يكون للعلوم العربية صدى في التأليف والإنتاج. جهود الترجمة ليس بالضرورة تكون دائما صائبة بسبب عدم سهولتها وسلاستها في تحديد معنى اللفظ ونطقه. جاء التفضيل في رأي د. محمد زروق في الوقت الحالي الاشتغال بأخذ العلوم من منابعها أي من أصل اللغة التي ألفت بها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى