المقالات

صراع وتفاهمات المحاور العسكرية في سوريا بعد تحرير البو كمال

بقلم:جمال الكندي

رسمت معركة البوكمال معادلة جديدة أوجدتها فراغ الساحة العسكرية في سوريا من قوة كانت فاعلة وذات نفوذ واسع وهي “داعش”، والتي كان الجيش السوري وحلفاءه، والمعارضة المدعومة من الأمريكي تحاربها، وطبعاً كلاً حسب أجندته الخاصة.
فبعد أن شارفت دولة داعش على الأفول في سوريا، بدأت لعبت المحاور السياسية والعسكرية تظهر بين القوى الفاعلة فيها، فلا يوجد عدو دائم ولا صديق دائم، وهذا ما نراه في التقلب التركي بتغير تموضعه السياسية والعسكرية في سوريا، فمرةً نراه مع المحور الأمريكي وتارةً نراه يبتعد عنه قليلاً، وهذه بسبب وجود المكون الكردي ضمن التحالف الأمريكي والمتمثل في قوات سوريا الدمقراطية.
انتهت تقريباً معارك الشرق السوري، وكانت النتائج عكس تمنيات المحور الأمريكي، والذي كان يدعم الجانب الكردي عن طريق قوات سورية الديمقراطية، وكان له النجاح في إخراج “داعش” من الرقة ولكن لم يستطع إكمال المشروع والسيطرة على أهم مناطق محافظة دير الزور، والتي إذا تحققت، لكان ذلك نصراً سياسياً واقتصاديا وعسكرياً لأمريكا وحلفائها، وإحياء لمشروع تقسيم سوريا. هذا المخطط كانت سوريا وحلفائها على درايةً تامةً به، لذلك كانت معركة البوكمال أم المعارك، والفصل الأخير في وأد المشروع الأمريكي في شرق سوريا.
بعد أفول نجم داعش في سوريا تبلورت محاور وقوى رئيسية ثلاث في سوريا هي موجود بالأساس، ولكنها كانت مشغولةً بمحاربة داعش. هذه القوى قد تتفاهم في بعض الأحيان، وفي أحيان أخرى يكون السلاح هو عنوانها للتخاطب.
هذه القوى هي المسيطرة على الأرض بدايةً بالجيش السوري الذي حسب آخر الإحصائيات يسيطر على نسبة 90 بالمئة من أراضي الدول السورية وتأتي قوات سوريا الديمقراطية، والتي يمثل اكراد سورية رأس حربتها مسيطرةً على أغلب مناطق محافظة الحسكة، وبعض مناطق أرياف حلب، وبعدها تأتي القوات المدعومة من قبل الأتراك في أرياف حلب وإدلب مع وجود تدخلات بين هذه القوات وجبهة النصرة في مدينة إدلب.
طبعاً توجد هنالك جماعات مسلحة محسوبة على السعودية وقطر في ريف دمشق والجنوب السوري، ولكنها فقدت قوتها بسبب ضربات الجيش السوري والحصار المفروض عليها، وتوقف الدعم العسكري نسبياً الذي كان يأتي من الخليج، وهذا يعود إلى الأزمة الخليجية وحرب اليمن.
من هنا ندرك أن خارطة القوى العسكرية في سوريا تبدلت بعد خلو الساحة من المكون الداعش الذي كان كل فريق يقاتله حسب أجندته الخاصة، والتي تسير من قبل المحرك الخارجي، وهذا كان واضحاً في معارك قوات سورية الديمقراطية مع داعش وكيف أن الأخير كان يسلم بعض مناطقه في دير الزور طوعاً لقوات سورية الديمقراطية، ويستميت في قتال الجيش السوري.
هذه المحاور والقوى الثلاثة الفاعلة اليوم في الجغرافيا السورية، بينها تقارب وتباعد في نفس الوقت كيف ذلك. هنا تأتي لعبة السياسة والانعطاف من نقطة إلى أخرى حسب المعطى السياسي والميادين الجديد. فعلى سبيل المثال نجد تصريح على لسان الرئيس التركي “رجب طيب أردغان” يقول فيما معناه بأن هنالك أمكانية لحوار تركي سوري بسبب المكون الكردي وتطلعاته السياسية في سوريا التي تؤثر في الأمن القومي التركي.
هذا المعطى الجديد الذي أوجدته الأزمة السورية يذيب بعض أوجه الخلاف السياسي والعسكرية بين السوري والتركي بسبب الالتقاء في مصلحة عدم تمكين الكرد في إقامة دويلة لهم في المناطق التي يسيطرون عليها في سوريا، وتأتي المفارقة هنا أن التركي والكردي هم حلفاء أمريكا في سوريا، ولكن المصلحة التركية تفرض في بعض الأحيان الابتعاد عن المحور الأمريكي والتقرب أكثر من المحور الروسي في سوريا.
لذلك وجدنا التركي حاضراً في مؤتمر سوتشي الذي ضم الإيراني والروسي وهما حلفاء سوريا منذ بداية هذه الحرب.
من هنا تأتي المعادلة الجديدة في سوريا بعد داعش، فكلما كان الدعم الأمريكي سياسياً وعسكرياً كبير لقوات سوريا الديمقراطية سنجد بالمقابل تقارب تركي سوري تحت عنوان وحدة سوريا خط أحمر، وبالعكس كلما كان الاقتراب الأمريكي من تركيا والابتعاد عن عدو تركيا الاستراتيجي وهم الأكراد وجدنا تصلب في الموقف التركي تجاه سوريا، وهذا كان واضحاً في التصريح التركي الأخير بشأن مستقبل الرئيس السوري، والرجوع إلى المربع الأول في مسالة رحيل الأسد من المشهد السياسي السوري في الفترة الانتقالية.
طبعاً هذا الكلام جاء بعد الغزل الأمريكي لتركيا بخصوص وقف الدعم العسكري لقوات سوريا الديمقراطية، وهذه هي لعبت السياسة.
الجيش السوري وحلفاؤه يدركون جيداً ألعيب السياسة، والذي يعول عليه هنا هو الميدان، فكلما كان النصر العسكري هو العنوان الرئيسي كما رأيناه في شرق سوريا ومن قبله في حلب وريف دمشق، خفت الصوت السياسي المعادي لسوريا وسقوفه العالية.
بالمقابل نرى المكون الكردي عندما يحس بالتقارب الأمريكي التركي على حساب قضيته، وأن مناطقه التي حرراها من داعش مهددةً باجتياح التركي المباشر، أو عن طريق قوات درع الفرات التابعة لتركيا، يعلن أن قواته مستعدة لاندماج مع الجيش السوري، بعد التسويات السياسية في جنيف التي تضمن له حق إدارة ذاتية أوسع من ذي قبل. وهذا ما وعدت به الحكومة السورية بمناقشته في الحوار السوري السوري، ويبقى الأكراد مكون من المكونات السورية، لذلك يحرص الجانب السوري باحتوائه وعدم تمكين الأمريكي من استغلال هذا المكون، والأكراد يعلمون أن الأمريكي بركماتي متغير حسب المصلحة، وما حدث في كردستان العراق هو دليل لمن أراد أن يتعلم كيف تدار السياسة الأمريكية.
صراع المحاور الثلاثة مستمر في سوريا والتفاهمات بينهما مستمرةً كذلك حسب المصلحة، ولكن تبقى كلمة الميدان هي الإساس، وهي من تحرك هذه التفاهمات وتحسنها، ومدخلات الميدان هي دائماً مخرجات السياسة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى