المقالات

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يغرد خارج السرب

بقلم:جمال الكندي

منذ وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى سدة الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية كانت له أراء سياسية واقتصادية وعسكرية مخالفة تماماً لسلفه الرئيس السابق أوباما، خاصةً في التعاطي مع الأزمة النووية الإيرانية فقد كان أوباما من مناصري ومدافعي توقيع الاتفاقية مع إيران، والتي بدورها أنهت حالة التوتر مع الجانب الإيراني في قضية أحقية أمتلكها للتقنية النووية.
أوباما دافع على توقيع الاتفاقية النووية مع إيران حيث قال في مؤتمر صحفي عقد في البيت البيض بتاريخ 15 يوليو 2015 “إن الاتفاق يغلق أمام طهران كل السبل لامتلاك السلاح النووي، كما أنه يجنب الشرق الأوسط سباق تسلح خطير” وقال أيضاً بأنه في غياب الاتفاق مع طهران كان الشرق الأوسط سيتعرض لخطر نشوب “حرب كبيرة”، مشيرا إلى أن الصفقة تتماشى مع مصالح أمن جميع الدول وشدد كذلك على أن “هذه الصفقة النووية تناسب المصالح القومية للولايات المتحدة وحلفائها”. وقد نصح أوباما في تصريحه معارضي الاتفاق النووي مع إيران التمعن في قراءة نص الاتفاقية قبل أن ينتقدوها، وإذا بقوا على رأيهم بأنها صفقة سيئة فدعوهم يفسرون وجهة نظرهم ويقترحون شيئا أفضل منها”.
هنا نحن أمام مقارنة بين رئيسين للولايات المتحدة الأمريكية، كان لهما رأيان مختلفان في قضية الأزمة النووية الإيرانية مع الغرب ، فالرئيس الأمريكي السابق كما ذكرنا كان مع الاتفاق و كان يسير عكس التيار الإسرائيلي الذي كان يعارض بشدة هذا الاتفاق وفي الجانب الأخر الرئيس الحالي دونالد ترامب والذي يصف هذا الاتفاق بسيئ، ويتوافق مع الرأي الإسرائيلي الداعي لنقض هذا الاتفاق، وبهذا يخالف الرئيس السابق بل ويتعدى ذلك ويخالف الرأي الأوربي الذي وقع هذا الاتفاق ومازال يدافع عنه، متمثلاً في فرنسا وبريطانيا وألمانيا، وأكثر من ذلك فهو يخالف قوة أمريكا والمتمثلة في وزارة الدفاع الأمريكية. فقد أكد وزير الدفاع الأمريكي، جيمس ماتيس، “أنه يؤمن بضرورة المحافظة على الاتفاقية النووية مع إيران في جلسة استماع أمام لجنة الخدمات المسلحة التابعة للكونغرس الأمريكي.
ومن معارضي الرئيس ترامب في شأن الاتفاق النووي مع إيران السيناتور الديمقراطي “كريس ميرفي” حيث قال في مقابلة له مع شبكة CNN الإخبارية “إذا أصدر الرئيس دونالد ترامب قرارا بانسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني، فإن ذلك سوف يؤذي الولايات المتحدة ويفيد إيران. وقال إن “الرئيس على وشك أن يحرج نفسه وبلدنا بالانسحاب من هذا الاتفاق”، مضيفا أنه إذا انسحبت أمريكا فإن إيران “سوف تعود إلى مسار تطوير السلاح النووي، وسوف يحصلون على كل شيء يريدونه”.
ورأى السيناتور الديمقراطي أنه “يوجد سياستان خارجيتان مختلفتان للولايات المتحدة، واحدة يقودها “تيلرسون” وزير الخارجية الأمريكي وشخصيات رفيعة المستوى في الإدارة الأمريكية، وواحدة أخرى منافسة يديرها ترامب من حسابه على تويتر”.
من هنا ندرك أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يغرد خارج السرب في قضية الاتفاق النووي الإيراني مع الغرب، فهو يخالف الأوروبي الذي هو الحليف التقليدي والاستراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية، ومع شخصيات سياسية وعسكرية في إدارته الحالية عوضاً عن الإدارة السابقة والتي على رأسها الرئيس السابق براك أوباما، وهذه التغريد تتقاطع مع الرأي الإسرائيلي الرافض رفضاً قاطعاً لهذه الاتفاقية.
إن المكاسب السياسية والاقتصادية التي جنتها إيران من وراء هذه الاتفاقية هي التي أججت نار الحقد السياسي إن صح التعبير لدى إسرائيل ومن يؤيدها، فوجدت في شخصية الرئيس “ترامب” النموذج الأمثل عن سابقة في إعادة جذوة العداء الطبيعية لدى أمريكا ضد سياسات إيران في المنطقة، والحل الأمثل هو في نقض هذا الاتفاق وإعادة المنطقة مرة أخرى إلى المعادلة السابقة والتي تقول بأن إيران تمثل خطر في المنطقة لأنها ستمتلك سلاح نووي بسبب نشاطاته النووية، والتي يعلم العالم بأنها سلمية.
هذا الاتفاق المواقع بين إيران ومجموعة الخمسة زائداً واحد هو إقرار بأن نشاطات إيران النووية سلمية التوجه، والوكالة الذرية لطاقة النووية تراقب هذا الاتفاق وتقوم بإرسال تقارير دورية للأمم المتحدة، وهي حتى الآن تقارير إيجابية تذكر أن إيران ملتزمةً ببنود الاتفاقية النووية مع الغرب.
سبب افتعال هذه الأزمة النووية مع إيران من قبل الرئيس “ترامب” في هذا التوقيت بالذات يأتي بسبب دور إيران البارز في القضاء على الورقة الإسرائيلية الأمريكية المتمثلة في الإرهاب الداعشي والقاعدي الذي كان يراد منه تفتيت الكيان العربي في سوريا والعراق إلى كيانات ضعيفة ذات صبغة مذهبية تعادي إيران في المنطقة، هذا المشروع فشل وسبب فشله حسب رأي بعض المنظرين السياسيين هو الاتفاق النووي الإيراني مع الغرب والذي أعطى إيران هامش اقتصادي وسياسي في إدارة المعركة مع قوى الظالم في سوريا والعراق وهذا ما أغضب إسرائيل وحلفائها في المنطقة.
الاتفاق النووي الإيراني مع المجتمع الدولي جاء لينهي قضية شيطنة إيران، وإيران لن تفرط في هذا المنجز، والأوربي يعلم ذلك، ويعلم كذلك عواقب نقذ هذا الاتفاق، لذلك نرى عزله “ترامبية” تجاه إيجاد تأييد أوروبي وحتى أمريكي تجاه نوايا “ترامب” في الخروج من هذا الاتفاق.
إيران ناضلت من أجل هذا الاتفاق، ودافعت عن وجهت نظرها في سلمية برنامجها النووي، فخاضت مفاوضات مروثونية طويلة اخذت اكثر من 12 سنة بين اخذ ورد وتوقف في بعض الأحيان إلى أن تم التوقيع على هذا الاتفاق التاريخي بينها وبين مجموعة خمس زايداً واحد، والمجتمع الأوروبي والذي استفاد هو الآخر من هذا الاتفاق لن يفرط فيه كذلك وسيبقى الرئيس “ترامب يغرد خارج السرب لوحده، فأهم حلفائه الأوربيين وهو الفرنسي يحذر من عواقب نقذ هذا الاتفاق ولا يؤيد توجهات الرئيس “ترامب”، حيث قال الرئيس الفرنسي “ماكرون” في كلمته باجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة ” أن عدم احترام الاتفاق النووي مع إيران، سيكون دليلاً على انعدام المسؤولية وأنه قد يؤدي إلى حريق في المنطقة” .
أن الأيام القادمة وخاصة بعد أن يعلن الرئيس الأمريكي ترامب سياسته الجديدة تجاه الاتفاق النووي مع إيران ستوضح أمور كثيرة سيقدم عليها الإيرانيين وحلفاء الإيرانيين وخاصة الروس، وفي الجانب الآخر كذلك الأوربيين ومن لا يوفقون الرئيس “ترامب” في سعية لنقذ هذه الاتفاقية. فهل سنرى فعلاً عزلة أمريكية “ترامبية” تغرد وحدها خارج سرب نقذ الاتفاق النووي مع ايران من دوم حلفائها لننتظر ونرى!!!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى