المقالات

الوصايا العشر في معلقة “يا مسافرين هذه حقوقكم”

بقلم: المحامية ميمونة السليمانية

إن من طبيعة الحياة الدوران..وهذا يشمل الشهور العربية فغدت إجازاتنا الصيفية مفعمة ببركة رمضان وعيد الفطر السعيد وعيد الأضحى المبارك..كلها مناسبات جليلة قضيناها منذ سنوات خلال فترة الصيف الخليجي الحار وسيستمر الحال هكذا لسنوات قليلة قادمة وفقا لدوران الأقمار خلال ٣٣ سنة.
وقد نتج عن توقيت هذه الإجازات زيادة عدد المسافرين لاسيما عبر الطائرات. حيث زادت نسبة المسافرين في مطار مسقط الدولي بواقع ١٧.٥٪ خلال شهر يوليو من عام ٢٠١٧ مقارنة بنفس الفترة من العام السابق.

ومنطقيا مزيد من المسافرين يعني مزيد من حالات الخطأ في تنفيذ عقود النقل الجوي التي نسمعها.لاسيما حالات تأخر الرحلات أو تأجيلها. والأمر معقد عند إرتباط المسافرين بأكثر من رحلة تربطهم بوجهاتهم النهائية فيما يسمى “الترانزيت”.أو في حال الناقل الجوي غير المحترف الذي يفشل في كل مرة في إعداد مايلزم لإحترام حقوق المسافرين.

وبما أنه من المعتاد أن من آخر إهتمامات المسافرين المتحمسين للسفر والاستمتاع بإجازة شخصية أو عائلية أو حتى لأسباب علاجية هو قراءة “عقد النقل”، فقررت أنه ربما من المناسب انتهاز هذه السانحة لمشاركتكم رحلة تعدد ركابها..وأحوالهم..فبعد تحضيرات وأحلام تلو الأحلام آن الأوان لتحقيق حلمي بالسفر في إجازة نحو الطبيعة الخلابة التي لطالما رأيتها في المجلات والمواقع الإلكترونية التي تسافر بنا في خيالات فقط..إلا إنني اليوم سأحقق حلمي وماهي إلا ساعات وأكون في مدينة الحلم! لفت انتباهي في طابور الانتظار سيدة مسنة تقف خلفي مستسلمة للضجيج المحيط وتسحيب الناس لأمتعة مثقلة بجشع دنيوي بينما هي تتأمل بصمت مهيب..ما أن حان دوري حتى عرضت عليها أن تتقدم لأعفيها من هذا المحيط الفوضوي ولو لدقيقة!
تقدمت الوالدة كما يحلو لنا هنا تلقيب المسنات..تمتمت بوجهها السمح وأنهت إجراءات سفرها. لفتتني بشاشة الشاب الواقف خلف المنصة ومحاولته مساعدتها بوزن حقيبتها الصغيرة بأدب جم. موقف جميل يا ابن بلادي الطيب.
وبعد كم سنابشات وتدليل للذات في القاعة المميزة انتبهت لموعد الإقلاع..فرغم كل هذا الدلال.. لم نتطور بعد لتركيب شاشة تعرض الرحلات ومواعيد إقلاعها في القاعة المميزة..حابين الجماعة نعيش جو المغامرة قليلا! مغامرة من وزن : “جرب تفوتك طائرتك وأنت تقبع في القاعة المميزة!”
اتجهت للبوابة المحددة في بطاقة صعود الراكب فوجدت طابورا يبدأ من نهاية درج الهبوط من الدرج الكهربائي! يالله ماعليه..ولايوجد طابور مقسم وفق درجة التذكرة..غير منطقي لاسيما أن طاقم الخدمات الأرضية بأجمل حلة وما أكثرهم يحومون ويتحدثون في مواضيعهم الشخصية بأصوات عالية بين اللغة العربية والإنجليزية ولغات أخرى تتناثر من هنا وهناك!بدلا عن فتح الكاونتر/المنصة المجهزة لاستقبال أسرع للمغادرين نحو الطائرة .. ووسط الضجيج..لمحت ثانية السيدة المسنة الصامتة..تواصل استسلامها للضجيج فقط كرمى لدخول الطائرة!
وعادة وفور دخول القاعة الأخيرة للمغادرين تبدأ تتضح ملامح الرحلة فأغلب الركاب يتجمعون تحضيرا للأقلاع. وبعد دقائق التدليل التي قضيتها في القاعة المميزة ما لبثت إلا دقائق أخرى فتبدل التدليل إلى النقيض..فإختفى عطري واختلطت ملامحي من الحر الذي قضيته مدة ٣٠ دقيقة في الحافلة التعيسة دون مبرر واقفين لانعلم ما سبب التأخير ولماذا أساسا تم توجيهنا للصعود للحافلات غير المكيفة! استوعبت أننا كلنا ركاب نتذمر كيفما شئنا ولا وجود للخدمات الأرضية ليستمتعوا بهذا الحو معنا ليتفهموا عدم منطقية تصرفهم! أقصاي تغريدة تذمر قد تسمع حيا! ١. فوفق المادة ١٨٣ من قانون التجارة يلتزم الناقل بنقل الراكب وأمتعته التي يجوز له الاحتفاظ بها إلى جهة الوصول ، فـي الميعاد المتفق عليه أو المذكور فـي لوائح النقل أو الذي يقضي به العرف . لكن ليس هذا مايحدث لنا في هذه الحافلة التعيسة!
تحركنا نحو الطائرة وصعدنا إليها لا وجه بشوش سوى خدعة المكياج وخطوطه وألوانه فالمضيفة لا تبتسم ولا تلقي التحية وكأننا ركبنا الطائرة لتقديم واجب العزاء.. علمت لاحقا أنه عزاء لحقوقنا كراكبين!
حيث يجب أن تضمن شركة الطيران سلامتنا وفق نص
٢. المادة ١٨٤: يضمن الناقل سلامة الراكب أثناء تنفيذ عقد النقل ، ويكون مسؤولا عما يلحق الراكب من أضرار بدنية أو مادية وعن التأخير فـي الوصول ولايجوز له أن ينفـي مسؤوليته إلا بإثبات القوة القاهرة أو خطأ الراكب . وللورثة الحق فـي مطالبة الناقل بالتعويض عن الضرر الذي حلق مورثهم ، سواء وقعت الوفاة إثر الحادث مباشرة أو بعد انقضاء مدة من الزمن .
نقترب من وجهتي التي حلمت بها وستحط الطائرة قريبا إليها. ورغم أنني أقضي الوقت عادة بين القراءة ومتابعة الأفلام جاملتني راكبة بجانبي بالتعريف بإسمها وأنها من أحد الدول العربية غير الخليجية.فبادلتها الترحاب والتعارف بتصرف. وما أن حطت الطائرة في المطار حتى طلبت جارتي الراكبة مساعدتها في تعبئة استمارة باللغة الإنجليزية.فتوقفنا معا لمعاونتها. غير أنه بعد دقائق من بدئها تخليص إجراءاتها تفاجأنا بعودتها من حيث لايجب أن تعود ..أي ليس من بوابة المغادرة..سألتها بقلق ماذا حدث؟! أجابتني والضياع يكسو ملامحها: ” مش ممكن أدخل هذه البلد ليس لدي تأشيرة”. ابتلعت صدمتي فما اعرفه من حديثها أنها حجزت عبر منفذ شركة الطيران نفسه كيف لم يبلغوها بهذا المتطلب؟ هذا من التزماتهم القانونية. حيث تنص
٣. المادة ١٨٥: يكون الناقل مسؤولا عن أفعال الأشخاص الذين يستخدمهم فـي تنفيذ التزاماته المترتبة على عقد النقل . وهنا جدير شرح هذا الالتزام بأنه يشمل موظفي الخدمات الأرضية التابعين لشركة الطيران منذ وصول الراكب لمنضدة إصدار وثيقة ركوب الطائرة أو مايعرف ب ال ( boarding card ) إلى المضيفين الجويين والطاقم في الطائرة. وخلاصة حال جارتي في الطائرة أنها فقدت قيمة تذكرتها وأعصابها ووقتها وعادت أدراجها لمسقط في أقرب حجز عودة متاح. لتبدأ لاحقا في اجراءات إقناع شركة الطيران العبقرية التي لم تلتزم بواجبها القانوني.
مزيد من حقوق الراكب تبادرت في ذهني من قانون التجارة العماني حيث تنص
٤. المادة ١٨٦: يقع باطلا كل شرط يقضي بإعفاء الناقل كليا أو جزئيا من المسؤولية عما يصيب الراكب من أضرار بدنية . ويعتبر فـي حكم الإعفاء من المسؤولية كل شرط يكون من شأنه إلزام الراكب على أي وجه بدفع كل أو بعض نفقات التأمين ضد مسؤولية الناقل . وفيما عدا حالتي الخطأ العمدي والخطأ الجسيم من الناقل أو من تابعيه ، يجوز للناقل أن يشترط إعفاءه من الأضرار غير البدنية أو أضرار التأخير التي تلحق الراكب ، ويجب أن يكون الإعفاء مكتوبا ، وأن يكون الناقل قد أعلم به الراكب .
كما تنص
٥. المادة ١٨٧: لايكون الناقل مسؤولا عن ضياع الأمتعة التي يحتفظ بها الراكب أو عن تلفها ، إلا إذا أثبت الراكب خطأ الناقل أو تابعيه . ويخضع نقل الأمتعة المسجلة للأحكام الخاصة بنقل الأشياء . وهنا نصيحتي بأن يتم تسجيل الأمتعة على نحو دقيق فعادة يتساهل الراكبون في تسجيل الامتعة أو تضييع المستندات الخاصة بالأمتعة مما يتسبب في صعوبة إثبات الحق لاحقا.
و
٦. المـادة ١٨٨: إذا توفـي الراكب أثناء تنفيذ عقد النقل ، التزم الناقل أن يتخذ التدابير اللازمة للمحافظة على أمتعته إلى أن تسلم إلى ذوي الشأن . وإذا وجد فـي حال الوفاة أحد ذوي الشأن ، جاز له أن يتدخل لمراقبة هذه التدابير وأن يطلب من الناقل تسليمه إقرارا بأن أمتعة المتوفـى فـي حيازته .
والمضحك المبكي أنه وبخصوص هذه النصوص السابقة فلا مخالفات أذكرها تقوم بها شركة الطيران! أما الأحياء فحالهم غير ذلك حيث في حال تقديم دعوى ضد الناقل أو شركة الطيران فإن ووفق
٧. المـادة ١٥٧: تتقادم بعد سنة كل دعوى ناشئة عن عقد نقل الأشياء وعقد نقل الأشخاص أو عقد الوكالة بالعمولة للنقل ويسري هذا التقادم فيما يتعلق بدعوى المسؤولية عن الهلاك الكلي للأشياء من اليوم الذي يجب فيه التسليم وعن التأخير أو التلف أو الهلاك الجزئي للأشياء من يوم التسليم أو من اليوم الذي وضع فيه الشـيء تحت تصرف المرسل إليه . ولايجوز أن يتمسك بالتقادم من صدر منه خطأ عمدي أو خطأ جسيم ويقع باطلا كل اتفاق على مخالفة الأحكام السابقة . وملخص هذه المادة أن للراكب الحق في إقامة دعوى ضد الناقل خلال سنة فقط من هلاك أو ضياع الأمتعة لا أكثر تحتسب من اليوم الذي استلم فيه الشخص الأمتعة غير أنه في حال وجود خطأ عمدي أو جسيم لاتسري مدة التقادم المذكورة على سبيل المثال حوادث الطيران لايتصور معها هذا التقادم نظرا لأن التحقيقات تتطلب في بعض الأحيان مايزيد عن سنة وتتسم بالحساسية والتعقيد وفق طبيعة الحادث عافانا الله.
هاقد وصل السائق البشوش الذي جرى ترتيبه من الفندق الأنيق الذي حجزت فيه. ومرة أخرى كلما زاد الضجيج.. بانت لى سيدتنا الصامتة..واقفة مغتربة لوحدها..فبادرتها :” الحمد لله على السلامة الوالدة بوصلك معي خلا”! فأجابتني: “كيف أتحرك لم أستلم أمتعتي يابنتي؟!” ابتلعت مرة ثانية لوعة الخيبة كما فعلت عندما عادت جارتي في الطائرة أدراجها من حيث أتت فقلت ببراءة” ” مايمهك الوالدة نروح السوق نشتري ثياب بعد ما ترتاحي”. وأنا عاقدة العزم بداخلي على أن تصرخ المواد القانونية التالية في كل ورقة مطالبة عن فقدان أمتعة السيدة.. سوف أساعد الوالدة في صياغتها عندما نرجع لديارنا في مسقط. حيث تقول:
٨. المادة ٢٠٤: يسأل الناقل الجوي عن الضرر الذي يترتب على التأخير فـي وصول الراكب أو الأمتعة أو البضائع . وجدير بالتوضيح هنا أنه وللأسف فإن الثقافة السائدة أن التعويض عن التأخير عن الأضرار المادية المباشرة وفي نطاق ضيق للغاية ويتم التغاضي في أحيان كثيرة عن الأضرار المعنوية التي لاتقل جسامة فمثلا تفويت حفل تخرج من الجامعة لا يعوض! أو حضور زيارة شخص عزيز على فراش المرض يداهمه الوقت! أو حتى فوات رحلة جوية أخرى نحو وجهة مكلفة للغاية..حيث من النادر التعويض سوى عن الأضرار المادية المباشرة..ماذا عن فوات الفرصة؟ والأذى المعنوي؟!

٩. المادة ٢٠٨: لايجوز فـي حالة نقل الأشخاص أن يجاوز التعويض الذي يحكم به على الناقل الجوي عشرة آلاف ريال عماني بالنسبة إلى كل راكب إلا إذا اتفق صراحة على تجاوز هذا المقدار . وفـي حالة نقل الأمتعة أو البضائع لا يتجاوز التعويض عشرة ريالات عمانية عن كل كيلوجرام . ومع ذلك إذا قدم المرسل عند تسليم الأمتعة أو البضائع إلى الناقل إقرارا خاصا بما يعلقه من أهمية على تسليمها فـي مكان الوصول ودفع ما قد يطلبه الناقل من أجرة إضافية نظري ذلك ، التزم الناقل بأداء التعويض بمقدار القيمة المبينة فـي الإقرار إلا إذا أثبت الناقل أن هذه القيمة تجاوز مدى الأهمية الحقيقية التي علقها المرسل على التسليم . وفـي حالة ضياع أو هلاك أو تلف جزء من طرد أو بعض محتوياته يحسب الحد الأقصى للتعويض على أساس الوزن الإجمالي للطرد كله ، ما لم يؤثر ذلك فـي قيمة طرود أخرى تشملها نفس الرسالة فيراعى أيضا وزن هذه الطرود . وبالنسبة إلى الأشياء الصغيرة الشخصية التي تبقى فـي حراسة الراكب أثناء السفر لا يجوز أن يزيد التعويض الذي يحكم به لكل راكب عن تلك الأشياء على مائتي ريال عماني.
وهنا نصيحتي بإثبات هذه التفاصيل المتصلة بالأهمية المعنوية والمادية ونتائج التأخير في حال حدوثه قبل الإرسال حماية لحقوق الراكب أو المرسل للبضائع.
وفي نفس الموضوع فقد نصت المادة ٢١٤: يسقط الحق فـي رفع دعوى المسؤولية على الناقل الجوي بمرور سنتين من يوم بلوغ الطائرة جهة الوصول أو من اليوم الذي كان يجب أن تصل فيه أو من يوم وقف النقل .

١٠. المادة ٢٠٩ : لا يجـوز للناقـل الجـوي أن يتمسـك بتحديـد المسؤولية المنصـوص عليهـا فـي المـادة السابقـة إذا ثبت أن الضرر قد نشأ عن فعل أو امتناع من جانب الناقل أو تابعيه وذلك إما بقصد إحداث ضرر وإما برعونة مقرونة بإدراك أن ضررا قد يترتب على ذلك . فإذا وقع الفعل أو الإمتناع من جانب التابعين فيجب أن يثبت أيضا أن ذلك كان أثناء تأدية وظائفهم .

أتدرون ماهي المغالطة التي استشعرها من أخطاء الناقلين وشركة الطيران لدينا؟ أنهم تناسوا أن شركات الطيران كما تتغنى بأنها قائمة على الربحية فإننا كركاب نطالبهم من نفس المبدأ بأن خدمة النقل الجوي ليست عملا خيريا يسكت فيه عن حقوق المتضررين! فحتى الراكب الذي يحصل على تذكرة مجانية يرفض تأخير طائرته لوقت “غير معلوم” يمتد لأكثر من ٤ ساعات بدون إجابات واضحة على تساؤلاته! وأن تتوقع شركة الطيران أن يكون أقصى أماني الركاب شكر على تفهم على ينشر على حسابها في تويتر بينما لايتمتع أصلا الراكب المغترب رصيدا لشحن هاتفه في مطار غريب بعيد عن بلاده منقطعا فيه لساعات !

ماذا نتوقع ونحن مازلنا على أرض مطارنا المحلي تقطع التهوية في حافلات النقل نحو الطائرة وكأن المقصود الاستعداد لرحلة معاناة بعيدا تماما عن “الضيافة”! فتصل مقعدك على الطائرة ضجرا متعبا وأنت لم تحلق نحو مسعاك بعد! بحق الوالدة الصامتة ..بحق جارة الطائرة التي غادرت من حيث أتت! بحق المنتظرين لساعات تمتد لأيام في المطارات كالتائهين دون أدنى خجل ولو مكتوب من شركة الطيران! بحق من فزعوا من ركوب الطائرات مستقبلا بسبب مشكلة الإطارات دون شفافية في الإفصاح وكأنه سر..فليستمر السر لكن قوموا بتعويض الراكبين عن التجربة التعيسة التي تعرضوا لها!

حان الوقت لتفعيل الوصايا العشر! فطالبوا بحقوقكم يا راكبين لأنه وللأسف بعض الحقوق تنتزع! ومازلت حالمة بأن شركة الطيران المقصودة ستقرأ سطوري..ستقرأ الوصايا العشر!
سفرا موفقا محفوفين بالعناية وبالوصايا العشر وكل عام وأنتم بخير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى