المقالات

التعدين وصناعات القيمة المضافة

بقلم:طلال الحراصي

الكثير منا يعبر الحدود إلى دولة الإمارات الشقيقة برا. ولكن، عندما تتوقف في الحدود لتخليص إجراءات السفر، هل رأيت عدد الشاحنات القادمة والمغادرة من وإلى السلطنة. دعوني أجزم من نظرتي وقرائتي الشخصية أن الشاحنات الراحلة تحمل مواد تصنيع أوليه من بينها المعادن. اما القادمة فتحمل مواد مصنعة من تلك المعادن مثل المواد الإستهلاكية ومواد البناء كاملة.
إنه لمن المؤسف أن تقرأ في أحد تغريدات المبادرة الوطنية تنفيذ أن 55% من إحتياجات السلطنة من الإسمنت تأتي من الإمارات العربية المتحدة. وأن المصانع المحلية لا تغطي أكثر من قرابة ال 23% من إحتياجاتنا. والباقي نستورده.
قبل سنوات كثيرة، كنا نبيع النفط دون أن يكون لدينا الإمكانات لتكريره والإستفادة من مكوناته المختلفة في الصناعات الكيماوية والبلاستيكية وغيرها. واحتجنا إلى وقت لندرك الحاجة إلى وجود مصانع للمصافي والبتروكيماويات والتي تسمى في مجموعها منتجات القيمة المضافة. أي أنك تكرر النفط وتفصل مواده المختلفة والتي يعتبركل منها منتج مشتق مستقل يستخدم في الصناعات المختلفة.
ولقد تحدثنا في المقال السابق عن الصيد السمكي وكيف اننا نبيعه اليوم إلى الدولة الجارة عبارة عن أسماك وليس منتجات القيمة المضافة مثل زيوت وأعلاف السمك والتونة المعلبة. وعندما تشتري الدولة الجارة منا هذا السمك تعيد بيعه لنا بمنتجات القيمة المضافة. وهذا يعني بأبسط الحسابات أنك لو بعت السمكة بريال فإنه سيعاد تصديرها إليك مفصلة إلى سمك وزيت وأعلاف وأدوية بأكثر من 10 ريالات.
عودة إلى الفقرة الاول من هذا المقال والتي تعني بتصدير معادننا كمواد اولية والتي قرأت في أحد الصحف المحلية مقالا يتحدث عن أن ذلك من الأمور الهامة لتنويع مصادر الدخل. وقد تحدث ذلك المقال الصادر في هذا الإسبوع عن بعض المعادن التي تستوردها الدول الشقيقة والهند. كما تحدث المقال أيضا عن فوائد هذه المعادن وأهميتها في دخولها في كثير من الصناعات مثل البلاسيتك والزجاج والحديد والخراسانات والسيراميك والإسفلت والإسمنت وأدوات الزينة وغيرها. ولكن المقال أغفل الحديث عن أننا سنشتري هذه المنتجات من الدول التي نورد لها المواد الخام.
إن المعادن في كل الدول هي أحد الموارد الهامة في تنويع مصادر الدخل بدون شك. ولكن هناك فرق بين تصدير هذه المعادن كمواد أولية أو تصديرها كمنتج نهائي مستخرج من هذه المعادن. يجب أن تصدر المعادن كمواد نهائية لأن ذلك يعني بناء مصانع في مختلف المجالات وبالتالي تنمية الإقتصاد وإيجاد فرص للباحثين عن عمل وغيرها من الفوائد المباشرة والغير مباشرة في تنويع مصادر الدخل.
ويستحضرني في هذا المقام مثالين. المثال الأول هو الولايات المتحدة الأمريكية والمثال الثاني هو بعض الدول الأفريقية ودول أمريكا الجنوبية. تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية واحدة من اكبر المنتجين للنفط، ولكنها أيضا واحدة من أكبر المستوردين للنفط. بحسبة أمريكية بسيطة، النفط الأمريكي إستراتيجي للبلد وسلعة هامة لا يجب التفريط فيه، تحتفظ به الولايات المتحدة لنفسها وتشتق منه الصناعات المختلفة التي تباع في الولايات المتحدة او خارجها. وبالتالي فالبنسة لها فإستيراد النفط أقل تكلفة على المدى الإستراتيجي من إستنفاد مخزونها.
اما المثال الثاني فهو دول أفريقيا وأمريكا الجنوبية الفقيرة والتي أعيتها الحروب الأهلية التي لا أشك أنها ممنهجة ومعدة خصيصا لأجل الإستيلاء على خيراتها من اليورانيوم والألماس والذهب وغيره من المعادن الثمينة. ورغم أن دول أفريقيا ودول امريكا الجنوبية هي من أكثر دول العالم إنتاجا للمعادن الثمينة، إلا أنها بقيت هي الأقل إستفادة منها حتى نفدت مخزوناتها. واليوم وبعد سنين طويلة من الإستخراج تتربع هذه المعادن على عرش الإحتياطيات الإستراتيجية للمعادن النفيسة في دول أوروبا والولايات المتحدة الامريكية وأستراليا. أما الدول التي تم إستخراج هذه المعادن منها فأضحت كما يقول المثل “خرجت من المولد بلا حمص”.
إن المعادن الموجودة في الأرض هي معادن ناضبة. ومن لم يشكر الناس لا يشكر الله. وإننا نشكر أصحاب القرار على كافة الأصعدة الذين كان لهم الفضل في الحفاظ على معادننا من التصدير الجائر. منذ أن كنت على مقاعد الدراسة في الإبتدائية أقرأ عن أن المعادن هي ثروة للأجيال القادمة. والحمد لله فإن هذه الإستراتيجية اتت ثمارها وهاهي الأجيال بدأت بالإستفادة من إدخار هذه المعادن. ولكن يبقى أنه يجب الأخذ في الإعتبار أن نستفيد من هذه الموادر الإستفادة القصوى.
ولعل الجميع إطلع على الخبر الذي نشر في الصحف في الشهر الماضي عن مضاعفة كمية حجر الجبرو المصدر للشقيقة قطر. وهذا عمل بلا شك هام جدا حتى لا تتوقف عجلة البناء في البلد الشقيق وخاصة أن قطر في طور الإستعداد لإستضافة كأس العالم بإذن الله تعالى. إلا أنه يجب الإنتقال تدريجيا من بيع هذه المادة كمادة خام أولية إلى تصديرها كمادة نهائية (منتجات القيمة المضافة) والإستفادة من العقود الطويلة في بناء ملاعب كأس العالم وبناء المدن الراقية الجاري العمل فيها في دولة قطر الشقيقة. علما أنه وبحسب أحد تقارير بلمومبرج، فإن الإستعداد لإستضافة كأس العالم سيكلف قطر 200 مليار دولار أمريكي. وهذا مبلغ ليس بسيطا ولعل الله أن يكتب لنا فيه سهما.
والشكر الجزيل للأخوة القطريين الذين أعطونا حق الاولوية، فكما علمنا من خلال الأخبار أن رجال الإعمال القطريين إجتمعوا مع رجال الأعمال العمانيين في مسقط، وأبدو ترحيبهم بالمنتج العماني على الأرض القطرية. لكن هذا يجب أن لا يقتصر على مثل هذه اللقاءات العاجلة، بل يجب أن يؤخذ مقصد الأشقاء إلينا على محمل الخطط الإستراتيجية للسلطنة لأجل أن ننافس الموردين الأخرين في المنطقة للإستفادة من العقود الكبيرة في مجال تصدير المواد النهائية الهامة في تحقيق الحلم القطري الخليجي العربي في إستضافة الحدث الأهم لكرة القدم في الأرض الخليجية.
إن منتجات القيمة المضافة هي منتجات تتصف بالديمومة لأنها تقوم على مصانع تنتج المنتجات النهائية التي يستوعبها السوق المحلي والأسواق المجاورة وغيرها من الأسواق في العالم. وإن موقعنا الإستراتيجي وتوفر المواد الخام لدينا وتوافر القوى المؤهلة الباحثة عن عمل أهم عناصر التنافسية في كل الصناعات.
يجب أن نضع في الإعتبار دائما دائما في الإستفادة الدائمة والقصوى من كل ما أنعم الله به علينا من خيرات وأفضال عبر إيجاد الصناعات المختلفة وتصديرها إلى أسواق الخليج والهند وإيران وأفريقيا. ويجب التأني في منح الإمتياز للشركات الأجنبية العاملة في مجال إستخراج المعادن والتي تطوف العالم كله لتبيع ثروات الدول لأجل تحقيق الأرباح للمساهمين في هذه الشركات ولأجل رفع الناتج الإجمالي المحلي للدول التي جائت منها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى