المقالات

قطاع الأسماك في عمان بين الواقع والمفترض

بقلم: طلال الحراصي

تطرقنا في المقال السابق بالحديث عن أحد أهم القطاعات التي يجب أن يعول عليها كحل هام للخروج من تداعيات الأزمة المالية والتي كان أهم أسبابها الإعتماد المفرط على النفط كسلعة أساسية في الدخل القومي طوال السنوات الماضية.
ولا يخفى على أحد أن هناك الكثير من المشاريع التي ساهمت في إثراء الإقتصاد الوطني ومنها على سبيل المثال لا الحصر، الموانيء والحوض الجاف والمناطق الصناعية والمناطق الإقتصادية والمطارات التي هي قيد الإنشاء والسياحة إلى حد ما. ولا شك فإنه وبالمقارنة مع الدول المجاورة وبالرغم من إنتاجنا المتواضع والذي لم يصل حتى إلى المليون برميل في اليوم مقارنة بملايين البراميل التي تنتجها الدول المجاورة يوميا، فقد إستطعنا تحقيق الكثير من القليل في مختلف القطاعات والحمد لله.
إلا أن الخطة “ب” كان لابد ان تكون حاضرة وأن الإعتماد على مصدر واحد لم يكن يوما من الأيام الخيار الصحيح لا على المستوى الفردي ولا على المستويات الوطنية.
والقطاع السمكي هو أحد القطاعات التي كان يجب أن تكون حاضرة وبقوة في تنويع مصادر الدخل. إننا بحكم موقعنا الجغرافي الإستراتيجي لدينا عامل التنافسية الأهم والأقوى في إمكانية تزويد ملايين البشر في الخليج العربي بشتى انواع الأسماك ليس فقط في الإنتاج المباشر ولكن أيضا في إنتاجات القيمة المضافة كالأسماك المعلبة (التونة) والأعلاف السمكية والزيوت السمكية وغيرها. وللأسف الكبير، فإنك عندما تتجول في أقسام الأسماك المثلجة والمعلبة في مراكز التسوق، فإننا نجد منتجات من دول مجاورة لا تصل حدودها البحرية بضعة مئات من الكيلومترات ولا يملكون نفادا إلى المحيط بحجم ما نملكه بدون أي مجال للمقارنة. ذكرني ذلك بمنتجات الدول المجاورة من القيمة المضافة للتمور والتي تكاد اليوم موجودة في جميع محلاتنا بينما قل ما تجد منتجا عمانيا.
ورغم وجود بعض شركات الاسماك المحلية، إلا أن الإنتاج بقي في الحدود المتواضعة التي لم تصنع لنا إسما في تجارة الأسماك العالمية. ماذا يعني أن يكون لك إسما معروفا وقويا وتنافسيا في سلعة ما؟ هل تعرفون ما هي أكبر شركة لتوريد الحليب والألبان والأجبان إلى عمان ودول الخليج العربي ودول عربية أخرى؟ الجواب الذي في بالك صحيح.
لماذا لا يكون لنا أيضا إسما مرموقا كإسم هذه الشركات ونكون متخصصين في توريد الأسماك ومنتجات القيمة المضافة للأسماك تغطي إحتياجات جميع دول الخليج وتكون لها خطوط إنتاج سمكي متنوعة وتملك بالإضافة إلى ذلك جميع الخطوط التكميلية كالشحن والتفريغ والنقل وصناعة العلب وغيرها. إن عدد سكان دول مجلس التعاون الخليجي يصل إلى 52 مليون نسمة حسب ما نشره مركز أبحاث الخليج. وهو ما يجعله سوقا ملائما لنا ويمكن أن يملاء خزائن ميزانيتنا. هذا ناهيك عن الطلب المتزايد للمنتجات السمكية في أوروبا وأسيا والولايات المتحدة وأستراليا والتي تتسع أسواقها لمزيد من المنتجات.
وكما تطرقنا سابقا إلى أن هناك أكثر من ثلاثين شركة صيد اوروبية تعمل في المياه الدولية في المحيط الهندي. هذه الشركات عبرت بحورا ومحيطات قبل أن تصل إلى محيطنا ومحيط جيراننا. لو لم تجد وتعلم أن رزقها في المحيط الهندي لما تكلفت عناء السفر الطويل. هذه الشركات تحط بضاعتها من الصيد السمكي في دولة صغيرة في المحيط الهندي تسمى موريشس. هذه الدولة بها مصانع أسماك مستثمرة من قبل شركات الصيد الأوروبية.
وبمناسبة الحديث عن الأرقام المالية، فقد بلغ الناتج الإجمالي المحلي للسلطنة لعام 2016 قرابة ال 66 مليار دولار حسب تقرير البنك الدولي. وحسب التقرير الإحصائي للمركز الوطني للإحصاء فقد بلغت قيمة ما تم صيده وبيعه من الأسماك عام 2016 حوالي 153 مليون دولار (قرابة 59 مليون ريال عماني). وبإضافة بعض الأصول السمكية إلى الإنتاج فإنه يمكن إحتساب أن مساهمة الإنتاج السمكي متواضعة جدا جدا تصل تقريبا 1.98% من الناتج المحلي الإجمالي. هل يعقل أن نعانق المحيط الهندي، محيطا بأكمله فيه الخير الكثير ولا يساهم القطاع السمكي إلا بأقل من 2% من الناتج الإجمالي المحلي للدولة.
وبالنظر إلى النتائج والأرباح المتدنية لشركات الإنتاج السمكي المدرجة في سوق مسقط للأوراق المالية، فإنه لن يكون من العسير الإستنتاج إلى أننا لا نزال في نقطة الصفر في مجال تطوير الطاقات وتسخير الإمكانات اللازمة للإستفادة من موقعنا الإستراتيجي والذي هو ليس فقط مطلب إقتصادي بل إستحقاق تاريخي لا يجب التفريط فيه.
من الواجب على المؤسسات المعنية الإسراع في إتخاذ الخطوات والقرارات الإستراتيجية لأجل أن يكون لقطاع الإنتاج السمكي مساهمة عالية في الدخل القومي تتعدى مساهمة قطاع النفط والغاز، نعم تتعدى مساهمة قطاع النفط والغاز، وهذا ليس مستحيلا وليس من قصص ألف ليلة وليلة وإنما بالنظر إلى جميع إقتصاديات العالم، فإن الإقتصاد يبنى بتطوير مكامن القوة والتنافسية والفرص. النفط والغاز لن يصبح في القريب العاجل مكمن قوة إقتصادية ولا تنافسية لدول الخليج العربي وبالتالي فإزاحته من عرش الإقتصاد واجب لا سبيل سواه.
إن قطاع النفط والغاز يشارف على أن يشيب خاصة في ظل المتغيرات الحالية في العالم. لقد أصبح إنتاج الطاقة النظيفة أقل تكلفة من ذي قبل وهو اّخذ في الإتساع. كما أن أكبر الدول المستهلكة للنفط والغاز في طور إعداد القوانين والتشريعات والخطط التي تستهدف تقليل الحاجة إليه وإستخدامه بسبب التلوث والإنبعاثات الناجمة من إستخدامه وخطره المتزايد على الأرض. وقد أعلنت بريطانيا وبقية دول أوروبا أنها ستتوقف عن إستخدام السيارات التي تعمل بالبترول بحلول عام 2040. لحقتها في مثل هذا الإعلان في الشهر الماضي كل من الهند والولايات المتحدة الأمريكية والصين. كما ان القطارات والمترو لن تحتاج إلى الوقود الحيوي. هذا يعني أن 60% من إحتياج العالم من النفط سوف يختفي خلال السنوات القادمة تباعا.
ولنكن واقعيين، هناك منافسة كبيرة على معظم القطاعات في العالم، وكل دولة أو تحالف إقتصادي لديه من العوامل التنافسية التي يبني عليها تفوقه. قطاع السياحة مثلا أصبح اليوم قطاعا مستهلكا تتنازعه الكثير من الدول. حتى الدول التي لم تكن على خارطة الدول الاكثر سواحا في العالم أصبحت اليوم تنافس غيرها. بعض هذه المقاصد السياحية الجديدة هي أذربيجان والبوسنة وجورجيا والفلبين وإندونيسيا وسيريلانكا. أما بلاد الخليج العربي فالسياحة فيها موسمية من شهر نوفمبر إلى نهاية شهر مارس فقط. أما أشهر الصيف فدول الخليج ليست مقصدا سياحيا، بل حتى مواطنوا هذه الدول يقصدون الخارج. وقد ساهم نزول سعر العملة في أوروبا إلى أن تكون مقصدا سياحيا حظي بإهتمام الكثير. وقد أشار إحدى التقارير إلى أن عدد الذين يفدون إلى لندن للسياحة في شهر واحد في الصيف فاق عدد الذين يفدون إلى تايلند بسبب نزول سعر الباوند البريطاني. اما نيويورك فيفد إليها قرابة ال ثمانين مليون سائح سنويا.
ورغم وجوب المحافظة على قطاع السياحة وضرورة تنميته وتطويره، إلا أن القطاع السمكي هو عامل تنافسيتنا ويجب أن لا نفرط فيه ويجب إعتباره المورد الأساسي والبديل الأهم بعد النفط.
ومسك الختام وأعظم دلالة على أن البحر هو مصدر قوتنا الإقتصادية هو حديث الصحابي الجليل مازن بن غضوبة رضي الله عنه حيث قال: قلت : يا رسول الله البحر ينضح بجانبنا ، أدع الله في ميرتنا وخفنا وظلفنا ، قال:” اللهم وسع عليهم في ميرتهم وأكثرهم خيرهم من بحرهم ” قلت: زدني ، قال:” اللهم لا تسلط عليهم عدواً من غيرهم” قال:” قل يا مازن آمين ،فإن آمين يستجاب عنده الدعاء” قال: قلت آمين.
ونحن نقول اللهم امين يا رب العاليمن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى