المقالات

المستثمر المكفول

بقلم:ميمونة السليمانية

أشارككم اليوم مشاهد تمر علينا..مرورا غير كريم.. إلا أن الغريب في الأمر استمرارها دون تغيير يذكر!
تمشي في شوارع مكتظة في مسقط لتلاحظ الغالبية من العمالة الوافدة وحراكها العشوائي المنظم في آن واحد…
مصالح هؤلاء البسطاء، في أغلبهم، لا تتعد الاستقرار في مسقط بأي كيفية كانت.. فوصوله إلى هذه البقاع كاف للبدء في تحقيق حلم صغير ..قد يتحول بعد بضع سنين حلم هذا الوافد إلى حلم أناني مزمن للعمانيين!

سأحاول فك شفرة الفقرة السابقة.. أغلب الوافدين العاملين في السلطنة يأتونها لأول مرة بصفة العامل في القطاع الخاص. والهدف كسب الرزق في بلد، يقال أنها تنموية، متاح فيها فرص أفضل على الأقل من حيث يأتي هذا الوافد. حيث الزحام في بلده خانق والأحلام لاسبيل لتحقيقها على المدى القصير.

يأتي هؤلاء العمال الذين أقصدهم في مقالي هذا من فئة غير ماهرة ولكن الغالبية منهم يحملون شهادات تعليمية كافية لتضييق الخناق على الشباب العماني المقبل على التخرج سواءا من التعليم العام أو على أعتاب التخرج من الجامعة.

وسرعان ما يتطور هذا العامل..فتبدأ أحلامه المشروعة في تحسين وضعه تكبر معه..فيفكر في الزواج. وأول ما يفعله ايجاد حيلة لتجاوز الحد الأدنى من الراتب المحددة ليتمكن من إحضار زوجته أو أسرته..كيفما اتفق! نجده بقدرة قادر قد تمكن من تأسيس أسرة في السلطنة وراتبه أقل من ٥٠٠ ريال! كيف؟! للأسف نعرف الإجابة بين مساعدة كفيله له ..تلك المساعدة التي لايعلمان أنها تشكل جريمة تزوير.

تمر السنين وتكبر أسرة العامل الوافد في ظروف أغلبها تأتي كيفما اتفق! فيستقدم أفراد أسرته لرعاية أبنائه المقيمين في السلطنة ويعيش في سبات ونبات والتكملة التي تعرفونها!
بينما هذا السبات والنبات يعني مزيدا من الباحثين عن عمل من العمانيين ..لاسيما مع فشل أرباب العمل ومدراء الموارد البشرية في فهم أن من أهم عناصر نجاح إدارة القوى العاملة في أي بلد هو الانسجام مع واقع متطلبات القطاع الخاص. فبدلا من قيام أرباب العمل بابتكار وسائل جديدة لاجتذاب الشباب العماني.. يقع هؤلاء الأرباب في أحضان الوافد المكفول الذي لايطور ظروف العمل في القطاع الخاص فمن مصلحته بقائها كما هي عليه لأطول فترة ممكنة..فيصبح المكفول مستثمرا وينفق على العمل التجاري ويشارك في رأس المال شريطة بقائه في السلطنة لأطول مدة ممكنة لتحقيق أحلامه بينما تتطاير أحلام شباب مواطنين!. من المفيد للغاية قيام المركز الوطني للإحصاء بمشاركتنا المعدل العام لإستقرار الوافد في السلطنة. يبدو لي أن هذا المعدل في إضطراد فأصبح العامل الوافد يطيل مكوثه وإقامته في السلطنة لحين تخريج أبنائه من التعليم ونحن نرى في محيطنا استقرار أجيال متعاقبة من الوافدين في السلطنة. هل فعلا أكذوبة استقرار العمالة الوافدة عندنا أمر إيجابي كما يدعي بعض أرباب العمل؟! جوابي لهم بالتأكيد أن استقرار العمالة أمر إيجابي ومحمود ولكن العمالة العمانية وليس الوافدة! إن تعاقب أجيال من الوافدين له تبعات ديموغرافية سلبية.. إلا أنني هنا يهمني تحول العامل الوافد إلى حالة ” المستثمر المكفول” وهي مخالفة صريحة لعدة قوانين في السلطنة ولها عواقبها التي سأحاول تلخيصها في النقاط التالية:
١- مخالفة قانون استثمار رأس المال الأجنبي رقم ( ١٩٩٤/١٠٢)
حيث تنص المادة رقم ( ١ ) منه على أنه : “يحظر على غير المواطنين العمانيين سواء كان شخصاً طبيعياً أو معنوياً مزاولة أية أعمال تجارية أو صناعية أو سياحية أو المشاركة في شركة عمانية داخل السلطنة، إلا بترخيص من وزارة التجارة والصناعة يصدر وفقا لأحكام هذا القانون”.

٢- مخالفة المادة رقم (١١) من قانون العمل العماني رقم ( /٢٠٠٣ ) التي خصصت بابا بعنوان “تشغيل المواطنين” ونص هذا المادة هو:
“على صاحب العمل أن يستخدم العمال العمانيين على أوسع نطاق ممكن ، وتحدد بقرار من الوزير نسبة العمانيين اإلى الأجانب فـي القطاعات الاقتصادية المختلفة أو الأنشطة التي يشملها كل قطاع حسبما تقتضيه ظروف كل قطاع أو نشاط ومدى توافر الأيدي العاملة العمانية اللازمة”. حيث من الواضح أن إطالة مكوث العامل الوافد في السلطنة يعني تحويل الاستثناء بالسماح باستقدامه إلى أمر مسلم به!
٣- تبعات قانونية تتعلق بتعريف الأعمال التجارية في قانون التجارة العماني رقم (١٩٩٠/٥٥) ينص في المادة ٨ منه على أنها ” الأعمال التي يقوم بها الشخص بقصد المضاربة ولو لم يكن تاجر”. حيث أن قيام حالة المستثمر المكفول غير القانونية تترتب عليها عواقب أن أية نزاعات تنشأ مع الغير أو مع رب العمل في هذه الحالة يتم التعامل معها على أن بين طرفين تجاريين. لذا خلاصة الحديث أنه من الأسلم للوافد المكفول المستثمر عدم الاستمرار في التستر خلف المأذونية! لابل ينتقل إلى حالة المستثمر الأجنبي التي ينظمها قانون متميز وقائم منذ التسعينيات.

قد تتساءلون ما أهمية هذا التعريف؟ هذا التعريف له عدة تبعات قانونية أهمها أنه يلغى الإعتقاد السائد عند الناس بأن التجارة تثبت فقط بقيام الشخص بقيد شركة أو مؤسسة فردية لدى وزارة التجارة أما غير ذلك فإنه من الشائع لدى العموم أنه لا يعتبر عمل تجاري وهذا اعتقاد خاطئ. فإذا كان الكفيل العماني أو المكفول الوافد يظنان أنه من الدهاء والذكاء أن يستثمر العامل في الشركة بأمواله الخاصة واستمراره عاملا في نفس الوقت فيها فهما مخطئان. فالتبعات المصاحبة في حال تدهور الأعمال أو الاختلاف وهو وارد لامحالة معقدة ولاتعفيهما من المسؤولية ناهيك عن الخسائر المادية.
إنني أدعو جميع أرباب العمل العمانيين ، لاسيما المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، عدم الاستمرار في خلق حالة المكفول المستثمر. إنها مخالفة لعدة قوانين في السلطنة والأهم..مخالفة لوطنيته عندما يضيق الخناق على أجيال من الشباب العماني الذين يحلمون بفرص العمل في القطاع الخاص التي يحجبها الوافد المستثمر المكفول! العمل التجاري ليس فقط رأسمال مادي بل قدرة ومسؤولية أرباب العمل العمانيين على تحقيق العدالة في توطين العمل في أسرع مدة ممكنة وليس الاستمرار لعشرات السنوات في كفالة وافد قادر أن يكون مستثمرا بينما يضيق الخناق على أجيال من المواطنين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى