وهج الحروف

أنا أفكر إذاً أنا.. “منبوذ” !!

بقلم: أريج اللهو

يحكى أن سفاحاً على صفحات تاريخ اليونان يدعى (بروكرست) كان حداداً وقاطعاً للطرق، يخطف المارة ويجبرهم على النوم في سرير حديدي لديه في البيت، فإن كانت الضحية أطول من السرير بتر رجلها، أو كانت أقصر من السرير مط جسدها حتى تتقطع كل المفاصل والأوتار، أما لو كانت تتلائم وحجم السرير فإنه يتركها لتنجو لكن الأسطورة تذكر أن لم ينجُ أحد.
فأصبح (بروكرست) على مر العصور مثالاً تلقائياً لكل من يجرك إلى زنزانة أفكاره، ومن يمارس عليك عمليتي القص واللزق قبل أن يحدد ما إذا كنت كفء أم لا، لاحظ عندما نحب من يشبهنا فإننا في الواقع نحب أنفسنا فقط، أما الآخرين فمجرد أطياف، والاختلافات مهما كانت صغيرة نحاول مطها أو بترها حتى تطابق سرير عقلنا الحديدي، تأصل هذا السلوك واقترن بـ (بروكرست) حتى تم اعتماد مصطلح (البروكرستية)، كما وصفها الدكتور (عادل مصطفى): “إنها القولبة الجبرية، والتطابق المتعسف، والانسجام المبيت”
نحن نمارس (البروكرستية) بشكل أو بآخر، بوعي منا أو بجهل، برضا كامل عن أنفسنا أو بنصف الرضا، النتيجة هي هي، هذا ما طفقت أفكر به في حوار محتدم (محتدم وليس محترم هناك فرق) بين عدة أطراف، كان الشد والجذب يأتي ويذهب إلى كل الجهات، الجهات كلها دون النور، ومن الملاحظ أن أغلب النقاشات الساخنة كتلك يكون الدين هو بؤرتها ونقطة ارتكازها، وكأن المساجد حين تؤذن لا تؤذن للسلام، وأجراس الكنائس حين تدق ما تدق إلا ناقوس الخطر، وأن حائط المبكى أولى بالبكاء على حالنا.
وعلى أثر ذلك تقفز إلى فكرك قناعة جديدة، الكثير من الناس يعتبرك فراغاً.. معدماً.. حتى تشبهه! حينها فقط يسمح لك بالارتقاء إلى طبقة المادة والوجود، يدرك أن لك كتلة من المشاعر، وتشغل حيزاً من الفكر، ثم يعتمد دخولك جنات الخلد، لقد قرر سلفاً أن الجنة للمتشابهين والجحيم تتسع لكل من سواهم، وكأن الحياة ليست كافية لممارسة (البروكرستية) فعليه أصبح من اللازم أن تمتد إلى ما بعد الوفاة ووراء الطبيعة وخلف البرزخ ولاتنتهي حتى بقيام الساعة!!
لم يعلم (بروكريست) أنه على الرغم من فظاعة جرائمه قدم عرضاً مونودرامياً حياً للكثير من العقول، إلا أنه مات -غير مأسوفٍ عليه- عندما قبض عليه الأمير (ثيسيوس) وجرعه مرارة ممارساته السابقة على ضحاياه، حيث أنه هو نفسه لم يتلاءم مع طول السرير، فكان لابد من قطع رأسه الزائد، ولك في هذه النهاية عبرة يا أخي الكريم.

مقالات ذات صلة

‫3 تعليقات

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى